وصل وزير العد الأميركي أريك هولدر إلى بلدة فيرغسون المضطربة أمس، ليصبح أول مسؤول على الصعيد الفيدرالي يزور البلدة المضطربة في ولاية ميسوري منذ مقتل الشاب الأميركي من أصول أفريقية مايكل براون في 9 أغسطس (آب) الجاري. وحمل هولدر معه وعد الحكومة الأميركية بـ«كشف حقيقة» مقتل براون، ابن الـ18 عاما الذي قتله رجل شرطة أبيض، والعمل على «عملية مصالحة» في البلدة بعد مواجهة بين الشرطة وسكانها. إلا أن أبناء البلدة الذين التقتهم «الشرق الأوسط» أمس عبروا عن شكوكهم في حل المشاكل القائمة، واصفيها بـ«التاريخية».
وهولدر، الوزير من أصول أفريقية، زار هذه البلدة الواقعة في ولاية ميسوري وقطع «وعدا» بأن يكون التحقيق في هذه القضية «كاملا ونزيها ومستقلا»، لافتا بالمقابل إلى أنه «سيستغرق وقتا». وأضاف: «لكي تبدأ عملية المصالحة يجب قبل كل شيء أن تتوقف أعمال العنف في شوارع فيرغسون»، مؤكدا أن هذه الأعمال التي نسبها إلى مجموعة صغيرة من الأشخاص الآتين من خارج فيرغسون «تسيء كثيرا إلى قضية العدالة بدلا من أن تفيدها».
ولكن فتحت أمس قضية جديدة بعد أن قتلت الشرطة الأميركية مساء أول من أمس رجلا مسلحا بسكين في سان لويس المدينة التي إحدى ضواحيها فيرغسون حيث تجري منذ عشرة أيام احتجاجات عنيفة على مقتل شاب أسود برصاص الشرطة. وقال قائد شرطة سان لويس سام دوتسون في تغريدة على حسابه على موقع «تويتر» بأن عناصر الشرطة تدخلوا بعدما تلقوا اتصالا بخصوص رجل مضطرب ومسلح بسكين وكان يصرخ «اقتلوني الآن» بينما كان يقترب من دورية للشرطة. وأضاف أن عناصر الشرطة «أطلقوا عدة طلقات تحذيرية. لقد خاف العناصر على سلامتهم واستخدم شرطيان سلاحهما. المشتبه به توفي». وإثر مقتله تجمع عدة أشخاص حول مكان الحادث الذي فرضت الشرطة حوله طوقا أمنيا، مرددين هتافا يردده بانتظام المتظاهرون في فيرغسون وهو «الأيادي في الهواء، لا تطلقوا النار».
وفي هذه الأثناء بدأت هيئة محلفين الاستماع إلى شهود في قضية مقتل براون وسط دعوات لمحاكمة الشرطي دارن ويلسون، الذي أطلق النار على براون، بتهمة ارتكاب جريمة قتل. وتحضر عائلة براون لجنازة ابنها التي من المفترض أن تحصل يوم الاثنين المقبل بحسب محامي العائلة.
وأعلنت الشرطة أمس توقيف 47 شخصا ليلا في فيرغسون في ميسوري التي تشهد احتجاجات منذ نحو عشرة أيام إثر مقتل شاب أسود برصاص الشرطة. وقال الكابتن في الشرطة رون جونسون المكلف حفظ الأمن، بأن المتظاهرين رشقوا الشرطة بزجاجات المياه والبول مع نهاية مظاهرة أول من أمس السلمية ما تطلب تدخلا من عناصر الأمن. وشرح في مؤتمر صحافي «لدينا 47 موقوفا منذ الساعة الواحدة فجرا»، مشيرا إلى أن الشرطة صادرت أيضا ثلاثة مسدسات من المتظاهرين.
وربما أولى علامات وجود مشكلة أساسية في فيرغسون بولاية ميسوري، حيث دخلت الاشتباكات العنصرية يومها الحادي عشر أمس، تظهر عند البحث في خريطة «غوغل» عن فندق قريب من مكان الاشتباكات. ففيرغسون التي يبلغ عدد سكانها عشرين ألف شخص، ثلثهم من السود، ونسبة البيض الثلث تقريبا، مع وجود عدد قليل من اللاتينيين والآسيويين، لا توجد فيها فنادق وليست معتادة على الزوار من الولايات المتحدة أو خارجها. تقع المدينة الصغيرة إلى الشمال من مدينة سان لويس، بين نهر المسيسبي ومطار سان لويس. موقع استراتيجي وهام. لكنها، واحدة من أفقر ضواحي المدن الكبيرة في الولايات المتحدة. إلا أن لديها نسبا عالية من الجرائم، المتعلقة بالمخدرات، والأولاد والبنات غير الشرعيين، والأزواج الهاربين من عائلاتهم.
وعبر موظف في «هيلتون المطار» عن استغرابه من شدة الطلب على الغرف في فندقه، قائلا: «لا توجد أي غرفة الليلة... أو غدا، أو بعد غد.. ينزل معنا عدد كبير من الصحافيين، أميركيين، وغير أميركيين»، مما يؤشر إلى امتداد الأزمة في البلدة.
وبينما تتبعثر في فيرغسون أضواء خافتة، تظهر الأضواء البراقة على أطرافها. وبينما منازل فيرغسون عادية، توجد عمارات عالية، ومنازل كبيرة على الأطراف. حيث يسكون الأميركيون من أصول أفريقية وأقليات اللاتينيين وسط المدينة الفقيرة بينما البيض يسكنون في الضواحي. وأكثر الأضواء البراقة تظهر من ملعب «نورثلاند» للغولف، ومن ملعب «نوروود هيلز» للغولف، ملعبا غولف عملاقان يجاوران واحدة من أفقر مناطق السود في أميركا. ويعد نادي «نوروود» واحدا من أغنى الأندية شبه الأرستقراطية، ليس فقط في منطقة سان لويس، ولكن، أيضا، في كل الولايات المتحدة. بني في عشرينات القرن الماضي، مع موجة أندية أرستقراطية، مع زيادة الرخاء في الولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الأولى، وقبيل الكارثة الاقتصادية عام 1929. وتعد من الأندية الشبه حصرية على البيض، وتبرز الفوارق الاجتماعية والمعيشية في الولاية وغيرها من ولايات أميركية. وخلال الحملة الانتخابية عام 2008. شن أوباما هجوما عنيفا على هذا النوع من الأندية، عندما تأتي مناسبة.
تقع منطقة الاشتباكات العنصرية الحالية على مسافة ليست بعيدة من النادي. ورغم أن السود نهبوا محلات تجارية في المنطقة، لم يقتربوا من النادي (تقف بوابة عملاقة في مدخله، وتمتد ميادين واسعة قبل الوصول إلى مبنى النادي).
عند الحديث لنانسي، وهي تعمل سائقة لدى النادي بيضاء في المنتصف من العمر، تحدثت عن المحتجين بقول: «إنهم» من دون أن تصفهم بـ«السود»، بينما أشارت إلى البيض بـ«نحن» قالت: إنها تسكن في فيرغسون، وإن نسبة البيض انخفضت إلى عشرين في المائة تقريبا، موضحة أن النسبة كانت أكثر من النصف حتى قبل عشرين عاما.
قالت: «فضل بعضنا العيش في مناطق تناسب رغباتهم، وظروفهم العائلية، مثل القرب من مدارس جيدة». وعن كون غالبية رجال الشرطة من البيض، صرحت بأن «هذا كان هو الحال لسنوات كثيرة. لأن الشرطة عندها شروط للالتحاق بها. وتقبل كل من يجتاز هذه الشروط»، متعمدة ألا تقول: إن أغلبية سود فيرغسون غير مؤهلين، إما لأنهم لم يكملوا التعليم الثانوي، أو لأن سجلهم فيه جرائم، أو مشاكل مع الشرطة والقانون.
وعبرت نانسي عن رأي الكثير من البيض في فيرغسون عن مقتل براون، قائلة: «قبل أيام، كشفت شرطة فيرغسون فيديو يصور هذا الصبي وهو يشترك في نهب متجر في نفس المنطقة». لم تقل اسمه، ولم تجب إجابة مباشرة على السؤال. لكنها قالت ما يقوله كثير من البيض بأن الصبي الأسود صاحب سوابق ومشاكل مع القانون. ويصور هذا أن المشكلة بين البيض والسود أعمق من قوانين إلغاء التفرقة العنصرية. وأعمق من فوز أسود برئاسة الجمهورية. وأعمق من اشتباكات فيرغسون. وخلصت نانسي بالقول: إن «المشكلة ستستمر ما دام السود لن ينسوا الماضي»، أي تجارة الرقيق، والتفرقة العنصرية. وأضافت: «هم لهذا غاضبون. وما دام البيض خائفين منهم لهذا السبب».
أما جون الذي يستقبل زوار النادي الراقي، فقال: «الحمد لله، جئت من مكان بعيد لترى الظلم الذي يقع علينا في أميركا. أميركا تظلمكم، وتقتلكم في بلادكم، وتظلمنا، وتقتلنا هنا، في بلدنا». وأوضح جون أن المشكلة بين البيض والسود، حقيقة، مشكلة عميقة جدا. ليست فقط عن التاريخ والجغرافيا. ولكن، أيضا، وأهم شيء، عن طريقة التفكير. وأظهرت نتيجة استفتاء أجراه مركز «بيو» في واشنطن عن اشتباكات فيرغسون أن نسبة ثمانين في المائة من السود يعدون أن الاشتباكات «تصور الاختلافات العنصرية»، مقابل نسبة عشرين في المائة فقط وسط البيض. وقالت نسبة ستين في المائة من السود بأن الشرطة «تصرفت في تشدد لم يكن له داع». مقابل نسبة عشرين في المائة فقط وسط البيض.
معارك عنيفة بين قوات حفتر والمتطرفين في بنغازي ومعارك في طرابلس
وزير العدل الأميركي يبحث عن «عملية مصالحة» في شوارع فيرغسون المشتعلة
الشرطة تقتل رجلا ثانيا.. وسكان البلدة يتحدثون لـ {الشرق الأوسط} عن الفوارق المعيشية
وزير العدل الأميركي يبحث عن «عملية مصالحة» في شوارع فيرغسون المشتعلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة