سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

لا هي ثورة.. ولا هي مؤامرة!

كانت «25 يناير (كانون الثاني) 2011» هي البطل بامتياز، في أحداث الأسبوع الماضي في القاهرة، وربما دون منازع آخر لها، رغم كثرة ما كان في هذا الأسبوع من وقائع وأشياء لافتة!
وإذا كنت قد وضعت من جانبي هذا التاريخ بين أقواس، فلأن هذه بالضبط كانت هي المشكلة، بين فريد الديب، محامي الرئيس الأسبق مبارك، من ناحية، وآخرين في الحياة السياسية المصرية بطولها وعرضها، من ناحية ثانية!
ففي جلسة محاكمة مبارك، أمام محكمة جنايات القاهرة، صباح السبت قبل الماضي، بتهمة قتل المتظاهرين في ذلك اليوم، من ذلك العام، وصف الديب يوم 25 يناير 2011، بأنه كان «مؤامرة» من الأميركان و«الإخوان» معا، ضد مصر دولة، وكيانا، وضد شعبها كله، من أول مواطن إلى آخر مواطن فيه، إلا أن يكون هذا المواطن «إخوانيا» بالطبع! فلقد كانت المؤامرة لصالحه بمنطق فريد الديب.
وما كاد الديب ينطق بالكلمة، حتى انقلبت الدنيا تجاهه، وأصبح هدفا لهجوم شديد من أكثر من اتجاه.
فلقد طالب ممثلو حركات سياسية وشبابية، ممن هم محسوبون على «25 يناير»، بإحالته للمحاكمة بتهمة «ازدراء الثورة»!
وفي الوقت نفسه، كان وصف «25 يناير» بأنها مؤامرة، موضع خلاف حاد بين أهل القانون أنفسهم، لأن هناك مَنْ رأى في الوصف بحد ذاته سحبا لشرعية ثورة يناير، وبالتالي شرعية كل شيء قام من بعدها على أساسها!
وقد استند أصحاب هذا الرأي إلى ما جاء في مقدمة دستور يناير 2014، وكيف أن هذه المقدمة قد وصفت «25 يناير»، و«30 يونيو» (حزيران) 2013، معا، بأنهما ثورة واحدة، وأن الثانية منهما تكمل الأولى، وتضيف إليها، ولا تنال أو تنتقص منها.. ولا بد أن أصحاب هذا الرأي على حق في هذه النقطة تحديدا، لأن الذين طالعوا الدستور الحالي، يعرفون أن مقدمته، أو ديباجته كما توصف عادة، قد تعمدت حين جاء الحديث عن «25 يناير» 2011، و«30 يونيو» 2013، الذي هو يوم الثورة على الإخوان، أن تقول بعبارة واضحة إنهما ثورة واحدة، وأن تشير إليهما على النحو التالي نصا: «ثورة 25 يناير - 30 يونيو».
والسؤال هو: هل مجيء الإشارة إلى «25 يناير»، في ديباجة الدستور، على أنها ثورة؛ يعني أن الذي يصفها بأنها لم تكن ثورة قد ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون؟!
السؤال تكفل بالرد عليه فريق آخر من أهل القانون، كانوا على النقيض من أصحاب الرأي الأول، وكان تقديرهم أن الديب عندما وصفها بهذا الوصف، لم يرتكب أي جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات المصري، وبما أن الدستور الجديد يقول، كما كان كل دستور سابق عليه يقول أيضا، «إنه لا عقوبة دون نص»، فالذين هددوا أو طالبوا بمحاكمة الديب، إنما يقولون كلاما يعرفون، أو لا يعرفون، أنه لا يستند إلى أي أساس راسخ، وأن محاكمة الرجل إذا جاز أن نحاكمه على ما قال، لا أصل لها في أي قانون قائم!
وقد يكون الشيء الذي يجب أن يستوقفنا فعلا، أن محامي مبارك ليس فريدا في حالته هذه، فهناك كثيرون غيره في المجتمع المصري، يرون ما يراه في «25 يناير»، وقد أعلنوا ذلك أكثر من مرة، ولا يجدون حرجا في تكراره في كل مناسبة، ومع ذلك، فإن رأيهم لم يسبب هذه الضجة التي تسبب فيها رأي المحامي الشهير!
ليس هذا فقط، وإنما هناك كثيرون آخرون يرون ما يراه الديب، ويرددونه في مجالسهم الخاصة، ولكنهم لا يجدون الشجاعة الكافية لإعلانه على الناس!
وهنا، لا بد من التوقف عند مسألتين؛ أولاهما: أن الرد على كلام الرجل لا يكون بطلب محاكمته بتهمة ازدراء الثورة، وإنما يكون بشرح الأمر للرأي العام، وبيان الأسباب التي تجعل من «25 يناير» ثورة، لا مؤامرة، وعلى قدر ما سوف يكون عليه الشارحون من قدرة على الإقناع، فسوف يكون قدر اقتناع قطاعات هذا الرأي بأن وصف محامي الرئيس الأسبق، خطأ، وأن ما عداه صواب.
والمسألة الثانية، أن هذا، في تقديري، ليس وقت الحكم على «25 يناير» بأنها كانت ثورة أو مؤامرة، فلا يزال الوقت مبكرا جدا على مثل هذا الحكم، ولعلنا نذكر أن «23 يوليو» (تموز) 1952 التي قادها عبد الناصر في منتصف القرن الماضي، ظلت توصف في بدايتها بأنها «حركة»، وكان القائمون بها أنفسهم من رفاق عبد الناصر لا يسمونها ثورة، حتى اكتسبت هذا الاسم، فيما بعد، من خلال ما أحدثته من تغييرات في المجتمع على الأرض.
أذكر أنني سألت يوما الدكتور خلدون النقيب، عالم الاجتماع الكبير، يرحمه الله، عما إذا كانت «25 يناير» ثورة من منظوره بصفته دارسا لمثل هذه الظواهر في حياة المجتمعات، فقال في حوار معه مسجل ومذاع على قناة «دريم» الفضائية المصرية، إن ما حدث في مصر، في ذلك اليوم، لا يمكن اعتباره ثورة بأي مقياس صحيح من مقاييس الثورات.. ثم أضاف أن التوصيف الصحيح لأحداث ذلك اليوم، إنما هو «انتفاضة».
هذا، إذن، وصف لما جرى من جانب رجل كان رائدا في مجاله في الخليج العربي كله، وهو رجل لم يكن ضد «25 يناير» بوصفها حدثا، ولا كان معه، لأنه بصراحة لم يكن طرفا فيه، وبالتالي يبقى كلامه هو الأقرب للدقة، إذا شئنا كلاما موضوعيا لا ينحاز إلى هذا، ولا إلى ذاك.
وقد قيل فيما قبل، إن الحدث، من نوع ما وقع في مصر يوم 25 يناير 2011، يمكن اعتباره ثورة حقا، إذا ما استطاع الذين قاموا به أن يحكموا ويغيروا من وجه المجتمع، فإذا ما تأملت أنت هذا الحدث، تبين لك، بموضوعية شديدة، أنه، من خلال الذين قاموا به، لم يحكم إلى الآن، ولم يغير من وجه المجتمع في شيء!