د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

تغير المستشفى ومخاطر الوفيات

التوفيق في نجاح المعالجة الطبية للمرضى له متطلبات تفوق تلك التي يطلبها توفير الرعاية الطبية. وتوفير الرعاية الطبية يعني سهولة وصول المريض إلى مستشفى يوجد فيه طاقم طبي مؤهل علميا وتدريبيا لمعالجة الأمراض الشائعة، أما التوفيق في نجاح المعالجة الطبية للمرضى فيعني إضافة إلى توفر تلك العناصر وجود نظام فعال وكفء يؤمن العناصر الأخرى التي تضمن نجاح الطاقم الطبي المؤهل في القيام بواجباته نحو المرضى، ويوفر أيضا الاستفادة من تعاون المريض لإتمام عملية رعايته طبيا.
وتبحث الأنظمة المختلفة لتقديم الرعاية الطبية في مختلف بلدان العالم عن تلك العناصر التي ترفع من مستوى التوفيق في نجاح المعالجة الطبية للمرضى في مجتمعاتها.
إن حالة عودة اضطرار المريض للدخول إلى المستشفى بعد الخروج منها Hospital Readmission هي من الحالات التي تبحث أنظمة تقديم الرعاية الطبية في مسبباتها ونسبة حصولها وتداعياتها على سلامة المرضى وعلى إرباك وإنهاك جهود المستشفيات وزيادة التكاليف المادية لتقديم الرعاية الطبية. ذلك أن اضطرار المريض في هذه الحالات لعودة الدخول إلى المستشفى، هو في الغالب أحد مظاهر عدم التوفيق في إتمام عملية معالجة المريض بنجاح، وإحدى وسائل إظهار أهمية أي مشكلة صحية هو معرفة حجم تكاليف تداعياتها السلبية، ومن أهم التداعيات السلبية تلك التي تطال سلامة المرضى والحفاظ على أرواحهم.
وضمن عدد الأول من مايو (أيار) الماضي لمجلة الرابطة الكندية الطبية «Canadian Medical Association Journal»، نشر الباحثون من مؤسسة علوم التقييم الإكلينيكي «Institute for Clinical Evaluative Sciences» في تورونتو نتائج دراستهم حول معدلات الوفيات في صفوف المرضى الذين يضطرون إلى عودة الدخول إلى المستشفى في فترة الـ30 يوما التالية لخروجهم منها، وتحديدا مقارنة نسبة الوفيات فيما بين من اضطروا إلى عودة الدخول إلى المستشفى نفسه الذي يخرجون منه «Original Hospital Readmission»، وبين من اضطروا إلى عودة دخول مستشفى آخر «Alternative - Hospital Readmission».
وقام الباحثون بتحليل المعلومات المتعلقة بنحو 200 ألف مريض، ممن عادوا لدخول واحد من 21 مستشفى في تورونتو والمناطق المحيطة بها، خلال فترة الـ30 يوما التالية لخروجهم من أحد تلك المستشفيات، ولاحظ الباحثون أن 20 في المائة من هؤلاء المرضى جرت عودة دخولهم إلى مستشفى غير التي خرجوا منه، وتعالجوا فيه حديثا.
وتبين للباحثين أن نسبة الوفيات كانت أعلى بين أولئك المرضى الذين اضطروا إلى عودة دخول مستشفى غير تلك التي خرجوا منه، وجرت معالجتهم فيه حديثا. وعلق الدكتور جون ستابلس، الباحث الرئيس في الدراسة بالقول: «تفسير واحد لنتائج هذه الدراسة، هو أن عودة الدخول إلى مستشفى مغاير للمستشفى السابق هو أحد العوامل التي تمس الحفاظ على سلامة المرضى».
وقال الباحثون في مقدمة الدراسة إن عودة الدخول إلى المستشفى بشكل غير مخطط له مسبقا، كداع طبي في متابعة المعالجة، هي عملية معقدة، وأنهم تابعوا هذا الأمر في الفترة ما بين عامي 1995 و2010 في مناطق تورونتو ومحيطها. وأضافوا بالقول: «سنويا تجري، دونما تخطيط مسبق، إعادة إدخال 4.5 مليون مريض في الولايات المتحدة، و200 ألف مريض في كندا، إلى المستشفى خلال فترة الـ30 يوما التالية لخروجهم منها، وهي عملية مكلفة ماديا، وتمثل تحديا ومن الصعب تجنب حصولها، ولها تأثيرات على سلامة المرضى».
وأضافوا: «الدخول إلى مستشفى آخر قد يحرم من سهولة الوصول إلى ملف المريض في المستشفى السابق، والمعلومات المهمة التي يحتوي عليها حول تفاصيل معالجته السابقة، وقد يتسبب في تأخير معالجته، وأيضا في تعريضه إلى ميكروبات جديدة غير تلك التي في المستشفى السابق، ولكن في المقابل له إيجابيات في تقليل احتمالات الوقوع في تكرار أخطاء المعالجة السابقة، وفي عدم تأثر الأطباء بتشخيص سابق غير صحيح، وعودة تقييم الأطباء للحالة المرضية والتأكد من سلامة تشخيص حالة المريض».
والواقع أن عودة الدخول إلى المستشفى خلال 30 يوما من الخروج منه هو مشكلة، وعودة دخول مستشفى آخر هو مشكلة أخرى، ولكن كليهما له تأثيرات سلبية على سلامة المرضى. وما يجدر البحث فيه هو لماذا يفضل بعض المرضى عدم العودة إلى مستشفيات معينة والرغبة في المتابعة بمستشفى آخر بعد عودة انتكاس الحالة الصحية لديهم.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]