خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

فلسطين بحاجة لقيادة جديدة

إن ما أفضى به تركي الفيصل والزميل سلمان الدوسري في هذه الصحيفة من النقد والحاجة إلى قيادة فلسطينية جديدة، يعبر في الواقع عن مشاعر وآراء الكثير ممن يتعاطفون مع معاناة الفلسطينيين. الحقيقة أن كل مصيبة فلسطين ترجع إلى ابتلائها بأناس لم يكونوا أهلا لقيادتها منذ البداية. عاشوا على هامش القرن العشرين وانحصرت معارفهم بالتراث وتمسكوا بحب الذات وكره الغير. تجاهلوا الواقع بما دفعهم لسلسلة من الأخطاء والخسائر، بدأت برفضهم المجلس التشريعي الذي عرضته بريطانيا في الثلاثينات، ثم مقترحاتها للتقسيم. وكذا رفضوا قرار الأمم المتحدة للتقسيم وآثروا الحرب دون أن يعدوا شعبهم لها.
في الستينات، راحوا يجعجعون برمي اليهود في البحر. وبعد 1967، رفضوا الفكرة الشرعية بإعادة كل شيء لما قبل الحرب. طالبوا بدولة. قلت لأحد مفكريهم: «يا سيدي، ستضيعون فلسطين بهذا الشعار. فإسرائيل والغرب أكثر استعدادا لإعادة الضفة للملك حسين من إعطائها لعرفات. أتريدون خسارتها؟». قال: «فليكن! نبقى في حكم إسرائيل أحسن من الرجوع لحكم الملك حسين!». تفكير مفكر!
وبقوا! بقوا ليروا أن فكرة الدولتين أيضا أصبحت أسطورة. رغم كل ما يقال عنها الآن من باب المجاملة، فإن العارفين بحقائق الواقع لا يرون أي مستقبل أو إمكانية لها الآن. تحدثت قبل أيام مع موشيه مخوفر، أحد اليساريين الإسرائيليين. سألته: ما الذي يريده نتنياهو فعلا؟ قال: أصارحك. ليس نتنياهو فقط، بل معظم الإسرائيليين أيضا يؤمنون بأن الحل الوحيد للمشكلة يكون بطرد الفلسطينيين من البلد ولهم مخططات منشورة بذلك. ما يجري في غزة والضفة مجرد خطوات تمهيدية انتظارا للظروف المناسبة.
بعيدا عن ذلك الطرح، الفكرة الإنسانية الوحيدة الآن هي ما دعا إليه اليساريون من الجهتين في الستينات ورفضته طبعا القيادات الفلسطينية. ألا وهو فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة لليهود والعرب. وممن يدعو إليها الآن الناشط الأميركي في قضايا البيوت الفلسطينية، جف هلبر. يرى أنها الحل الإنساني الممكن والوحيد واقعيا. ستؤدي - كما يقول – إلى وقوع الفلسطينيين في مجتمع عنصري ضدهم يعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية، كما كان الحال مع السود في أفريقيا الجنوبية. ويكون عليهم أن يتصبروا ويتحملوا ويفعلوا ما فعله السود هناك، وهو القيام بحملات سلمية للمطالبة بحقوقهم المدنية ومساواتهم باليهود.
سيجدون الرأي العام العالمي وراءهم في هذا المسعى. وسيفلحون كما أفلح السود في أفريقيا الجنوبية وفي الولايات المتحدة، وفي كل مكان. بيد أن هذا حل يتطلب قيادة جديدة تؤمن بكل قلبها وتفكيرها بالمحبة لا بالكره على نهج غاندي، وبالتعايش لا بالتقاتل، وبوحدة بني الإنسان وتعطي الأسبقية للحياة لا للممات. المطلوب قيادة جديدة تؤمن بآيديولوجية جديدة تقوم على سيكولوجية جديدة.
هذا طبعا كلام لا يطيب لحماس. لديهم حل آخر. وهو استنزاف إسرائيل وإرهاقها بالإرهاب والمشاكل انتظارا لظروف مناسبة، ربما بعد مائة أو مائتي سنة للقضاء عليها. لا أريد أن أجادل بواقعية أو عدم واقعية هذا الحلم. ولكن، ما ذنب ألوف الأطفال والنساء وكل من سيعاني ويهلك في هذا المشوار الطويل المحفوف بالدم والألم؟