صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

التحالف «الإخواني» يأكل الحِصرم وأطفال غزة يضرسون!

كل هذا الذي جرى وذهب حتى الآن وقودا له أكثر من ألف قتيل، وأكثر من خمسة آلاف جريح فلسطيني وإلحاق كل هذا الدمار والخراب بقطاع غزة وأهله، هو جزء من الهجوم المعاكس الذي بقي يرتّب له الإخوان المسلمون وبرعاية دولة قطر «الشقيقة» ودولة رجب طيب إردوغان، وخلف هؤلاء دولة الولي الفقيه الإيرانية، للرد على ثورة الثلاثين من يونيو (حزيران) التي قادها عبد الفتاح السيسي، وأنهى حكم وحلم هذه «الجماعة» التي كانت تخطط ولا تزال للسيطرة، وبمساندة أميركية، على هذه المنطقة كلها ولتدمير منظمة التحرير و«تنصيب» حركة «حماس» كبديل لها وكممثل «شرعي ووحيد» للشعب الفلسطيني.
وهكذا فإن «اندلاق» حركة حماس على الوحدة الوطنية الفلسطينية، بعد ممانعة وبعد مناورات وألاعيب بقيت متواصلة ومستمرة لأكثر من عشرين عاما، كان في حقيقة الأمر للهروب من واقع ما بعد انهيار تجربة الإخوان المسلمين في مصر وتعليق وزر غزة في رقبة محمود عباس (أبو مازن) ولتلغيم منظمة التحرير والسلطة الوطنية وتفجيرهما من الداخل وتحميلهما مسؤولية هذه الحرب، التي ثبت أن التخطيط لها قد سبق خطوة «الوحدة الوطنية» هذه، وأنه قد تم اختيار إسطنبول مكانا لغرفة عمليات هذا الهجوم المعاكس الذي ستثبت الأيام أن إيران هي صاحبة فكرته وهي صاحبة قراره، وأنها ستكون أكثر المستفيدين منه في حال نجاح هذه المناورة «المؤامرة» التي دفع فيها الشعب الفلسطيني هذا الثمن الباهظ من دماء أبنائه الأبرار، ومن دمار في غزة ومدن «القطاع» الأخرى كلها... فالتحالف «الإخواني» يأكل الحصرم وأطفال غزة يضرسون!
حتى قبل ساعة واحدة فقط من توقيع اتفاق «الوحدة الوطنية» في غزة، في احتفال غلبت عليه المجاملات، وغلب عليه النفاق المبالغ فيه من قبل الموقعين تحديدا، كان الرئيس محمود عباس لم يكن يعتقد فقط، بل وعلى قناعة تامة بأن هذه الخطوة ستكون أيضا على غرار كل الخطوات والمحاولات السابقة، مجرد قفزة في الهواء، وأن مصيرها سيكون كمصير اتفاق مكة المكرمة الذي تنصّلت حماس منه، بضغط قطري وضغط سوري في ذلك الحين، وأيضا ضغط إيراني، قبل أن يجف الحبر الذي كُتب به، وحيث ثبت أنها، حماس، كانت تخطط، وبمشاركة هذه الدول الآنقة الذكر لانقلاب عام 2007، الدموي الذي كان من أكثر الانقلابات العسكرية العربية وحشية.
لكن ومع أن أبو مازن لم يكن يتوقع أن تتخلى حركة حماس عن ألاعيبها ومناوراتها السابقة، ومع أنه فوجئ بـ«اندلاق» حركة المقاومة الإسلامية على الوحدة الوطنية التي كانت هي من دمّرها في انقلاب عام 2007 الدموي، إلا أنه لم يجد بدا من الموافقة على هذه الخطوة أملا في أن تنتهي الظاهرة الانقلابية من التاريخ الفلسطيني.
وحقيقة أنه وإلى جانب الإعداد لهذا الهجوم المعاكس على مصر والنظام الجديد في مصر وعلى محمود عباس تحديدا والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والذي جاءت حرب غزة الجديدة التي كانت إسرائيل بانتظارها وعلى أحر من الجمر، فإن هناك الحرب الإرهابية التي بقيت تشن على الجيش المصري في سيناء، وعلى الحدود المصرية – الليبية وفي القاهرة والمدن المصرية الأخرى.. فإن استهداف المملكة العربية السعودية قد تضاعف وقد ازداد خطورة وبخاصة على حدودها الجنوبية، حيث قامت {القاعدة} بعمليات إرهابية دامية وحيث ازداد ضغط {الحوثيين} على نظام الرئيس اليمني الذي يستهدف أيضا السعوديين كنظام وكشعب وكإنجازات عظيمة وكدولة.
ثم وإنّ ما هو معروف أن الأردن كان قد رفض طلبا قطريا وعلى أعلى المستويات، قبل خطوة الوحدة الوطنية الفلسطينية بأيام، بانتقال خالد مشعل من الدوحة إلى عمان، وكان الواضح تماما أن هذا الطلب يأتي في إطار هذا الهجوم المعاكس الآنف الذكر وإن {الإخوان}، ومن خلفهم قطر وإيران ورجب طيب إردوغان أرادوا بهذا الطلب تحويل الساحة الأردنية إلى ميدان للمواجهة مع {أبو مازن} والسلطة الوطنية وإلى نقطة ارتكاز لهذا الحلف، وإلى تحويل الأردن إلى {حماس لاند}، وأيضا إلى تطويق المملكة العربية السعودية من الجهة الشمالية.
لقد سأل الأردن {الأشقاء} القطريين بعد طلبهم الغريب العجيب هذا، عن السبب الذي يدفعهم لتحويل مكان إقامة خالد مشعل من الدوحة إلى عمان وكان الرد، أي رد الأردنيين، عندما قال القطريون وعلى أعلى المستويات إن الدافع هو اقترابه من ساحة الجهاد، إنه على زعيم حركة المقاومة الإسلامية إذا أراد فعلا أن يقود جهاد شعبه، أن يختار غزة مكانا لإقامته.
لم تستطع قطر التي هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تدفع ولا قرشا واحدا من حصتها في الدعم الخليجي إلى الأردن، والتي بقيت تتخذ موقفا معاديا غير مفهوم تجاه المملكة الأردنية الهاشمية، أن تقنع الأردنيين بإعطاء خالد مشعل مركزا قياديا له على أراضيها، وذلك لأنهم بخبراتهم وتجاربهم الطويلة يدركون الأبعاد الحقيقية لكل هذه الألاعيب والمناورات، ولأنهم أيضا قد اختاروا «معسكرا» آخر، غير هذا المعسكر «الإخواني» – القطري – الإيراني – الإردوغاني هو معسكر الاعتدال والواقعية السياسية، ولأنهم كانوا بادروا، ومنذ اللحظة الأولى، إلى تأييد ثورة «يونيو» المصرية وما زالوا يؤيدونها، ولأنهم يرفضون رفضا قاطعا هذه الحرب الإرهابية المسعورة التي تستهدف مصر كنظام وكإنجازات وكدور عربي وعالمي وكمكانة وكسند لفلسطين والقضية الفلسطينية.
إن الأردن يعرف أن مواقفه تجعله مستهدفا من قبل التحالف «الإخواني» – القطري – الإردوغاني – الإيراني فهو يعتبر أن ثورة الثلاثين من يونيو قد أنقذت مصر، التي أهم وأكبر دولة عربية، من الفوضى والانحلال السياسي ومن حكم جماعة «عدمية» لا يمكن الاطمئنان لها أو الركون اليها، وأنه، أي الأردن، سيبقى داعما لمنظمة التحرير وللرئيس محمود عباس وللشرعية الفلسطينية، وهو ايضا لا يمكن إلا أن يبقى متمسكا بعلاقاته الأخوية الصادقة والنظيفة مع الجارة والشقيقة العزيزة السعودية التي تربط شعبه بشعبها علاقات أخوية راسخة وثابتة وقائمة على الاحترام المتبادل، وأصر القربى والمصالح المشتركة.
ولعل ما يؤكد أن هذا التحالف «الإخواني» ـ القطري ـ الإردوغاني ـ الإيراني قد دفع حماس إلى هذه المغامرة التي دفع ثمنها الشعب الفلسطيني في غزة، والتي كان بنيامين نتنياهو يريدها للتملص من استحقاقات عملية السلام، وتثبيت موقعه في الحكم في إطار هجومه المعاكس ضد مصر وضد كل العرب الذين أيدوا التغيير الأخير في مصر، هو اعتراضه على مبادرة وقف اطلاق النار المصرية بمبادرة تركية ـ قطرية، وهو دعوة قطر لمؤتمر باريس الفاشل الذي أوضح بما لا يدع مجالا للشك بأن الولايات المتحدة لا تزال تراهن على الإخوان المسلمين بحجة أنهم القادرون على التصدي لـ«القاعدة» وكل الجماعات الإرهابية التي يعتبرونها حركات إسلامية!
عندما تجري مواجهة «المبادرة» المصرية على هذا النحو الآنف الذكر، وعندما لا توجه دعوة لا لمصر ولا للمملكة العربية السعودية ولا لمنظمة التحريروالسلطة الوطنية الفلسطينية، ولا للأردن لحضور اجتماع باريس الفاشل الأخير، ألا يعني أن هناك مؤامرة كبرى وراء استدراج الإسرائيليين إلى هذه الحرب التي كان نتنياهو يسعى إليها.
لقد دفعت غزة وأهل غزة وأطفال غزة كل هذا الذي دفعوه، في هذه الجولة وفي جولتين سابقتين ثمن بروز هذه الكتلة «الإخوانية» التي تسعى للسيطرة على هذه المنطقة كلها، وفرض قراراتها بدعم أميركي لم يعد خافيا، على مصر وحتى على السعودية وعلى الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.. إن هذه هي الحقيقة وإن هذا هو الدافع الفعلي لحرب غزة الظالمة والعدوانية.