أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

هل ندين أنفسنا بسبب إسرائيل؟

الشارع العربي يعاني من حساسية ضد الإعلام الإسرائيلي، لديهم قناعة أن نشر مقالات الكتاب العرب في المواقع الإسرائيلية يشير إلى تواطؤ بين الطرفين! هذه سذاجة وأقرب إلى أن تكون حالة رهاب.
الصحافة الإسرائيلية مثل أي صحافة في العالم، تتابع وتدقق في الحدث الذي يعنيها، ليس فقط لأنها تنام بين أعدائها بل لأنه عرف سائد. وفي حالات كثيرة تعيد المواقع الإسرائيلية الصحافية أو الحكومية، نشر مقالات الكتاب العرب حتى دون استئذان من أصحابها، وبعضها لكتاب إسلاميين، وكم من مرة أخذت خطب الجمعة لرجال دين في العالم الإسلامي مكانا في النقل والتحليل على واجهات الصحف الإسرائيلية أو المواقع الرسمية، كخطب إمام الحرم المكي أو شيخ الأزهر.
أما الأكثر حساسية من النقل فهو الإشادة الإسرائيلية ببعض ما يصدر عن شخصيات عربية سواء مقالات أو تصريحات.
نحن نختلف مع إسرائيل لكننا نتفق معها في قضايا محددة؛ معها في رفض المشروع النووي الإيراني، لكننا ضدها في سلب الحق الفلسطيني، معها في تجريم بشار الأسد وحزب الله، لكننا نجرمها في حربها ضد لبنان. اليوم الشارع العربي منقسم حول لوم حركة حماس على ما يجري في غزة، بعضنا ينظر إليها كما كان ينظر إلى حزب الله في حرب صيف 2006 على لبنان، أنها حركة مقاومة باسلة لا يأتيها الباطل، وبعضنا الآخر يرى أنها أعطت الذريعة لإسرائيل لدك غزة وضرب أهلها كما فعل حزب الله. توافق الرأي الأخير مع المصلحة الإسرائيلية لا يغير من أن إسرائيل في نظرنا جميعا عدو غاصب.
الإشادة الإسرائيلية لا يمكن أن تكون طعنا في ولاءاتنا، هذا ظلم. كتبت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية مقالا مطولا تمتدح فيه الشيخ يوسف القرضاوي كما لم يحصل له من قبل، إشادة ما بعدها إشادة، قدمته على أنه الشخصية السنية المعتدلة في العالم الإسلامي. لا يمكن أن ندين القرضاوي لهذا السبب، هذا ليس إنصافا. حتى عندما سقط حكم الإخوان المسلمين في مصر، كتب الموقع الإلكتروني لدولة إسرائيل وكذلك صحيفة «هآرتس» بأن خسارة إسرائيل كبيرة بزوال حكم مرسي الذي أطلقت عليه سابقا الصديق المخلص، معللة ذلك بأنه كان يضبط حماس ويمنعها من إطلاق الصواريخ، وأن دوره كان جوهريا في توقيع اتفاق الهدنة في 2012. إضافة إلى أنه أغلق المئات من الأنفاق التي تربط بين سيناء وغزة وهو ما لم يفعله الرئيس السابق حسني مبارك! كيف نصنف مثل هذا الإطراء؟
الأكيد أن الإشادة من إسرائيل ليست شرفا، والذم منها ليس منقصة.
لأننا نعيش أجواء حرب غزة، يصبح كل ما يصدر عن الصحافة الإسرائيلية مثيرا للحساسية. هذا لا يعني أن نستسلم لعاطفة الشارع أو لأصحاب الأجندات ونمتنع عن قول ما نراه صحيحا. من حقنا توجيه الملامة لحماس التي تشتري حرية 800 أسير فلسطيني بحياة 800 طفل وامرأة، من حقنا أن نستنكر عليها رفض تهدئة كانت قد قبلتها حينما قدمها محمد مرسي. هناك غزة أخرى تحت الأرض، بأنفاق وخنادق لا حصر لها، مع هذا لم ترأف حماس بالسكان وتفتحها لهم ليتقوا صواريخ إسرائيل، بل على العكس، ناشدت الفلسطينيين تجاهل دعوات إسرائيل بالخروج من المناطق المرشحة للقصف لأن هذه التحذيرات تأتي في إطار الحرب النفسية! غزة ليست أفغانستان ولا حتى سوريا أو لبنان بمساحات مفتوحة للتهجير والاحتماء، بل حجرة مغلقة مكتظة بالسكان، ضربها عسكريا بأقل مجهود يحدث أضرارا مريعة.
خلال تسعة أيام قبل العملية البرية أطلقت حماس ما يقارب 1000 صاروخ منها ما وصل إلى تل أبيب والقدس، مع ذلك لم يُقتل إسرائيلي واحد، القتيل الوحيد كان متأثرا بجراحه بفعل قذيفة هاون! أمر غريب، حجارة الأطفال في الانتفاضة كان تحدث ضررا أكبر! هل انفجرت هذه الصواريخ في الجو؟ هل سقطت في الصحراء؟ حتى القبة الحديدية لم تصل فعاليتها لصد هذا الكم من الصواريخ. ثم يتحدث الإعلام الأميركي زورا عن بشاعة سفك الدماء في إسرائيل وغزة؟ أي دماء في إسرائيل؟ لا أحد يقتل هناك.
يظهر أن حماس لا تريد بصواريخها إلحاق أضرار بشرية، هدفها فقط إشعال الحرب، واستعطاف العالم بصراخ الأطفال وعويل أهلهم لتعود مع حلفائها إلى تصدر المشهد.
وكالة غوث اللاجئين «الأونروا» فجعت بوجود 20 صاروخا لحماس في إحدى مدارسها، فأسرعت إلى إرسال قائمة لإسرائيل بالمدارس التي يحتمي فيها الفلسطينيون حتى لا تقصفها، أشاحت إسرائيل بوجهها عن القائمة وقصفت مدرسة متذرعة بالصواريخ التي كانت مخبأة فمات 15 مدنيا! تضرب وتبكي وتسبق لتشكي.
إسرائيل تملك الخبرة القتالية والاستخباراتية لتجنب قتل المدنيين لكن هذا لا يعنيها، لم تكترث بهم طوال سنوات الاحتلال، اعتذرت بوقاحة عن استهداف أربعة أطفال يلعبون على الشاطئ وهي التي قتلت حتى هذه اللحظة 300 طفل على مرأى ومسمع من العالم المتحضر الذي أزعجنا بحديث حقوق الإنسان. إسرائيل اليوم في نظر شعوب العالم دولة بلا أخلاق ولا إنسانية، يقودها جزار يحمل ساطورا، وتعاطف الرأي العام الدولي مع الفلسطينيين خلال الحرب القائمة وصل مراحل غير مسبوقة. إنما حماس شريك أساسي في مسؤولية القتل في غزة، لأنها رمت بأهلها عمدا إلى التهلكة وقصرت في حمايتهم.
معركة الفلسطينيين الحقيقية هي التئام ما بعد المصالحة، ما يعطي السلطة الفلسطينية قوة دولية للحديث باسم كل الفلسطينيين وطلب إدارة المعابر وفك الحصار تحت مسؤوليتها، هذا ما سيضيق على إسرائيل وليس افتعال الحروب العبثية.
في حرب غزة لا يقتل الأطفال والنساء والشيوخ فقط، بل حتى الحقيقة مهددة بالموت. علينا أن لا نخجل من قول الحقيقة مهما كانت محرجة أو جارحة، ولو كانت على ذي القربى، لأن العيب كل العيب في تعمد وضع المواطن العربي تحت طائلة الاستغفال.
[email protected]