حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

دراما موسمية!

المسلسلات العربية كعادتها الموسمية في شهر واحد تفجر كمها الإنتاجي بشكل مكثف وكبير، فيبلغ المعروض منها كما هائلا يملأ الشاشات التلفزيونية بين الغث والسمين، والسخيف والمفيد، والمعاصر والتاريخي. هذه السنة كانت كمية المسلسلات لافتة وبها علامات مهمة. الكم الأكبر كان من نصيب المسلسلات المصرية، التي تناولت الأحداث الاجتماعية المختلفة التي مرت بها مصر جراء الأحداث السياسية الحادة، والتي شهدت تقلبات ومظاهرات وثورات شعبية وانتخابات وإرهابا وظروفا متشنجة انعكست على الأعمال الدرامية التي قدمت.
تفاعل المجتمع مع الإسلام السياسي بأشكاله المنظمة أو الفردية والانقسام الحاد الذي ولده هذا التوجه، وتفاعلت الأعمال الدرامية مع الأوضاع في الأحياء الشعبية والمناطق العشوائية والصراع الهائل الموجود فيها بسبب الضغوط الاقتصادية الخانقة والظروف الاجتماعية المليئة بالتحديات والتقلبات، ودخول الدجل والشعوذة والجهل بوصفها عناصر حلول للمشاكل الموجودة.
أما الدراما السورية فبدت هذه السنة هشة وضعيفة وخالية من الزخم الذي اعتاد المشاهد العربي دوما أن يكون مميزا ومثيرا ومشوقا.
كان المسلسل السوري دائما مميزا ومعروفا بالدقة في تفاصيله والإلمام بأدق المسائل التي يتطلبها العمل الفني الناجح من قصة وإخراج وسيناريو وتمثيل وديكور.. كل ذلك أصبح في حكم الماضي بعد أن قضى بشار الأسد على المناخ الممكن للإبداع الفني، كما قضى على شعبه وعلى مدنه وعلى اقتصاده في ثلاث سنوات من حرب متواصلة على شعبه بغرض الإبادة حتى قتل وشرد وسجن وهجّر الملايين منهم.
المسلسلات الخليجية هي الأخرى اتسمت بالضعف والنمطية؛ الكوميدي منها اتجه للإسفاف ومحاولة الإضحاك بالقوة والغصب حتى باتت السماجة هي السمة الرئيسة فيها، والأعمال الاجتماعية كانت مملة ومتوقعة.
كذلك اختفت الأعمال التاريخية الملحمية التي اشتهرت بها قنوات الإنتاج في هذه الفترة من العام باستثناء «سرايا عابدين» الذي حصل على كم مهول من النقد والتجريح رغم وجود ميزانية استثنائية لإنتاجه، اتضح ذلك من الإبهار الذي كان موجودا في تفاصيل الديكور والملابس، وهي كلها كما كان واضحا أنها متأثرة جدا بسبب نجاح المسلسل التركي المدبلج للغة العربية باسم «حريم السلطان»؛ فالقصة كانت تنادي نفس أحداث المسلسل التركي ولكن النسخة خرجت مشوهة وهشة وضعيفة، أو كما وصفها أحد الأصدقاء أنها حريم السلطان بالتايواني.
المسلسل الذي نال قسطا هائلا من المديح والثناء والتقدير كان مسلسل «سجن النسا» الذي شرح حالات مذهلة في المجتمع العربي من خلال نافذة سجن النساء والمسجونات فيه. كان المسلسل صادما وقاسيا وجارحا في تشريح القصص المذهلة من واقع صفحات الحوادث في المجتمع بشكل واقعي ومؤلم، والقصة كانت مقنعة وقوية، والأداء التمثيلي استثنائيا ومميزا.
مسلسل آخر تمكن من أن يكون مفاجأة غير متوقعة هو «الوصايا السبع» الذي جاء في شكل أسطوري خيالي بقصة مليئة بالغموض والإثارة ولا يفهم تفاصيلها إلا في المشاهد الأخيرة، وكان التمثيل والقصة هما «الأبطال الحقيقيين» لهذا العمل المميز والمفاجئ. الأعمال الدرامية في شكلها البسيط توظف الفن لتشريح المشاكل الموجودة في المجتمع بمختلف أشكالها وتطرح الحلول وتتراءى فيها الأبعاد المختلفة، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو دينية، وأحيانا تكون الأعمال لأجل غاية واحدة هي الترفيه والتخفيف.
الخلاصة من أعمال هذه السنة أن هناك عودة قوية للإنتاج الدرامي المصري، سواء كان ذلك على حساب الكم أو النوعية بعد سنوات من الانحسار والتراجع لصالح الدراما التركية والسورية والخليجية. هناك تحسن عام في النوعية للدراما المنتجة ولكن لا تزال بعيدة تماما عما يقدم في الأسواق العالمية.