آيلين كوجامان
كاتبة معلقة ومحللة في التلفزيون التركي
TT

نبرة جديدة في الشرق الأوسط وتركيانبرة جديدة في الشرق الأوسط وتركيا

الشرق الأوسط هو أعظم مهد للعالم؛ أرض الأنبياء وقلب الحضارات والتاريخ النابض. إنه مكان ثمين وخاص.
وقع بعض من السكان الرائعين لتلك الأراضي تحت تأثير عادات ومشاعر مختلفة، لا سيما أثناء الأعوام المائة الأخيرة. جعلت الصراعات التي اشتعلت في الشرق الأوسط نتيجة للانقسامات بعض سكان المنطقة عدوانيين وغاضبين. وبدأت عادات قمعية وبائسة وغير مرحب بها في الظهور أكثر من أي مكان آخر. فقد أقدم البعض على إشعال النار في جسده في إشارة على الاحتجاج، وأضاع البعض مليارات الدولارات من أجل مقاطعة دولة أخرى، وأصبح المعتاد هو التشجيع على إشعال الصراع بدلا من تحقيق السلام. وبدلا من اتخاذ إجراءات عقلانية لإيقاف العدوان والنزاع، أصبحت المضايقات هي الأسلوب السائد. وبسبب تلك التقاليد غير المرحب بها، لم يعرف الشرق الأوسط السلام قط.
يحتاج الشرق الأوسط إلى سياسات عقلانية لتقديم حلول إلى جميع الدول، وليست تلك الروح المتنمرة التي تهاجم من تكره. من الضروري أن تطبق مثل تلك السياسة مع جميع الدول، ويجب أن يتم تقييم كل دولة بصورة منفصلة. أرجو أن أقدم هنا هذا التقييم الخاص بتركيا.
في ظل تأثير سياستها المعتدلة التوفيقية حتى عام 2010، كانت تركيا تمثل نقطة ارتكاز لمحور الشرق والغرب في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. وكانت هناك مباحثات حول إقامة اتحاد جمركي بين تركيا وسوريا ولبنان والأردن ومصر، بل وتم اتخاذ تدابير عملية تجاه تنفيذه. وشهدت تلك الفترة أيضا تصافح قادة إسرائيل وفلسطين تحت سقف البرلمان التركي. ولم تكن تركيا الدولة الوحيدة التي جعلت سوريا تتحاور مع إسرائيل في تلك الفترة. وكانت شقيقة لمصر. وكانت الأنظار تتجه صوب تركيا وقتما يشتعل الصراع في الشرق الأوسط، لأن تركيا دائما ما تعمل على ترتيب عمليات التفاوض.
وبعد عام 2011، تغير الوضع في الشرق الأوسط، وكذلك موازينه. وظهر التحزب نتيجة للموازين المختلفة والنزاعات واختلاف الآراء داخل الدول. وبدأت الخيارات تتحدد بناء على المصالح الخاصة أو المشاعر. وهكذا وضعت تركيا خيارها؛ المشاعر تسود. واعتمدت التقييمات على الأعراف الأخلاقية وجرى التخلي عن السياسة الواقعية والمصالح الخاصة.
أما الذي لم يكن يجب أن يحدث فهو أن تنسى تركيا طبيعتها التوفيقية.
إذا كنت تعيش في مكان يسود فيه الاستقطاب، فعليك أن تختار بين أي من القطبين. إذا كان أحدهما يتفق مع مبادئك، فلن يتفق معها الآخر. لكن حتى إذا انحزت إلى أي من الطرفين، فيجب أن تتبنى سياسة التوفيق بين هذين القطبين. ولا يعني أنك تكره سياسة طرف ما أن تتبنى أسلوب الشرق الأوسط، وأن تصبح غاضبا منه. من الأفضل أن تتعامل معه بكلمات تعبر عن السلمية وتهدئة الأمور.
ولا تملك تركيا أي خيار سوى انتهاج سياسة سلمية وتوفيقية. بالطبع سوف تتحدث صراحة ضد الظلم وتتبنى ما هو صواب، لكن أثناء فعل ذلك يجب ألا تتخلى عن موازينها الدقيقة أو طبيعتها الصانعة للسلام، ويجب أن تقوم بدور الشقيق الذي يجمع الطرفين معا إذا لزم الأمر. إن اللغة التوفيقية هي الوسيلة الوحيدة لضمان السلام.
لم تكن حقيقة تأثير الدمار الذي حل بدول الربيع العربي على السياسة الخارجية التركية خطأ تركيا بالكامل. لكن عندما تكون الظروف دقيقة، فيجب أن تعكس السياسات والمواقف ذلك. يجب أن يكون المرء قادرا على حماية الضعفاء. يجب ألا ينسى المرء أن الكلمات الغاضبة ضد دولة أو إدارة ما يمكنها أن تضر فقط بالأبرياء. يجب أن يكسب المرء تلك الإدارة أو الدولة من جديد، وألا يهمشها. ويجب أن يبدي حساسية الشقيق.
لا يستحق أي شخص اللوم بمفرده على الموقف الحالي المظلم في الشرق الأوسط. بل يقع الخطأ الحقيقي على عاتق المجتمع المسلم الذي لم يتحد على لغة سلمية وتصالحية. إن شعوب الشرق الأوسط يبدو أنها اختارت روح الصراع بدلا من السلام والحب.
يعود الضرر في وصف شخص ما بالطاغية، وتوجيه الصراخ المستمر في غضب وكراهية والكتابة عن «الحرب والانتقام» على لوحة المفاتيح في غرفة مكيفة مريحة، فقط على المظلومين والمضطهدين في الشرق الأوسط. وأتساءل عن كم الناس الذين سيصرخون بشأن «الحرب والانتقام» إذا كانوا في وسط القتال. ألا يرون مزيدا من الأطفال يقتلون بسبب تلك الهتافات التي لا تنتهي؟ متى ستنصت الدول الإسلامية كافة لأمر الشرع الحنيف: «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة».
كمسلمين، يجب أن نسعى في سبل السلام. يجب أن نتخلى عن العادات السيئة للشرق الأوسط ونترك سب بعضنا بعضا. يظل الحل في الوحدة. يجب أن تدرك الدول الإسلامية، وتركيا تحديدا، مسؤولياتها. والسلام يحتاج إلى صبر، ومن يتحلون بالصبر ويستخدمون لغة السلام هم الذين سينقذون الشرق الأوسط. أما من يغلقون الباب في غضب فيجب أن يتذكروا أنهم يتحملون مسؤولية كل طفل يقتل في المنطقة.