د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

حركة حماس.. دولة أم منظمة؟

إن وضع الأمور في نصابها الصحيح، والتفكير المنظم، هو السبيل الذي يصل بنا إلى تحقيق أهدافنا، ومعظم مشاكلنا كعرب في السابق سببها عدم التخطيط والتفكير المستقيم في حياتنا. تعالوا نتحاور بالعقل والمنطق وليس بالعاطفة والمشاعر، ولكن كواقعيين وعقلانيين، ونسأل أنفسنا كعرب ومسلمين: هل حركة حماس تمثل الشعب الفلسطيني أم أنها مجرد فصيل فلسطيني؟ ومنطلق هذا السؤال المهم والإجابة عنه أهم، وذلك لأنه يقرر مصير شعب فلسطين الذي يقتل يوميا الآن ويشرد عن أرضه كما تعود عليه طوال السنوات الماضية، وتهدم بيوته، والمتسبب في كل ذلك هو حركة حماس الإخوانية في غزة ردا على خطفها لجندي إسرائيلي ورفضها الإفراج عنه فكان رد الفعل الإسرائيلي قويا، ولأن حزب الله اللبناني هو المثل الأعلى لحماس، قامت هي بنفس السيناريو الذي قام به حزب الله اللبناني في يوليو (تموز) 2006 في جنوب لبنان، عندما قام حزب الله بخطف جنديين إسرائيليين وتسبب في قيام إسرائيل بشن حرب شاملة على لبنان وقتل من قتل وهدمت بيوته ولا تزال بيروت تعاني من نتائج هذه الحرب. وفي نهاية الحرب وبعد خراب البصرة ظهر علينا الأمين العام لحزب الله ليعتذر ويقول: أنا أعتذر للشعب اللبناني عما حدث!!
ما حدث في الجولة الراهنة من العدوان الإسرائيلي على غزة كانت ضحاياه أكثر من ألف قتيل والعدد يتزايد يوميا وآلاف الجرحى وهو قرار فصيل فلسطيني يمثل شريحة من المجتمع الفلسطيني وليس قرار دولة فلسطين وذلك لأن الذي يمثل الشعب الفلسطيني هو منظمة التحرير الفلسطينية، وهذه المنظمة هي الآن في حرج فكيف تكون ممثلة للشعب الفلسطيني وتقدم نفسها للعالم وهي اليوم ليس بيدها قرار إيقاف الحرب!!
الذي جعل حماس تقدم على هذا العمل الوضع المعيشي المأساوي لشعب غزة بعد انفصالها عن منظمة التحرير الفلسطينية، وفي نفس الوقت هي تريد أن تستعيد أمجادها من خلال صواريخ تطلقها على إسرائيل أشبه بألعاب الأطفال حتى تجد التعاطف من عامة الناس. وفي مواجهة أكبر قوة في الشرق الأوسط، وهي إسرائيل، التي تستطيع تدمير غزة في ساعات. وقادة حماس في الأنفاق آمنين على أنفسهم هم وأسرهم يأكلون ويشربون والشعب الفلسطيني في بيوته تتساقط علية القنابل ويقتل فيه من يقتل من الأطفال والنساء والمسنين. نقول لحركة حماس «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه». ونقول لحماس حاسبوا أنفسكم: من يدفع الثمن؟
مشكلة حماس أنها تريد أن تكون كحزب الله اللبناني الذي يحكم الآن لبنان ويتدخل في سوريا وله من النفوذ ما له في دول إسلامية كثيرة التي يواجد فيها الشيعة، ولكن حماس لا تدرك أن حزب الله اللبناني تقف وراءه إيران وتسانده فكيف يتساوى الميزان. لقد ضعف شعب فلسطين في غزة ولا يكاد يجد من الغذاء وفرص العمل ما يوفر له المستوى المعيشي اللائق، ولا يحصل الموظف على نصف راتبه ولذا قام الموظفون في غزة بالمظاهرات للحصول على الرواتب، وبعد أن وجدت حماس نفسها في موقف حرج، لم تجد لها إلا هذا الجندي الإسرائيلي يخلصها من ورطتها وتصدر مشكلتها، وتضيف إلى مصائبنا كعرب مصيبة أخرى.
أصبحت السلطة والنفوذ عند قادة غزة هي شغلهم الشاغل، وهل هناك أكبر من المحاولة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لتقريب وجهات النظر بين حماس وفتح وتلطيف الأجواء بينهما وبعدها نقضت حركة حماس العهد ورجعت إلى ما كانت عليه، وما قامت به مصر من محاولات لإصلاح ذات البين ولكن لا حياة لمن تنادي.
قال شارون وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق «إني أهديت إسرائيل هديتين: غزة في فلسطين وأهديتها جنوب لبنان في لبنان» واليوم يتحقق هذا الكلام على الواقع فلقد دمرت إسرائيل مدن الجنوب اللبناني في حربها 2006، واليوم تدمر غزة. والعجب كل العجب لهذه الجماهير العربية التي تصفق ولا تدري عن خبايا الأمور شيئا، كانت إسرائيل في مأزق سياسي وتحت ضغط دولي قبل غزوها غزة، ولكن الآن زال كل هذا الضغط عليها بسبب تهور حماس. والهدف الثاني الذي حققته إسرائيل هو أن غزة منذ أن انسحبت منها إسرائيل أصبحت كالمصيدة للفلسطينيين، فأصبح قادة حماس هدفا قريبا لإسرائيل فلقد اغتالت قائد حماس الشيخ أحمد ياسين، والرنتيسي، وإياد حردان وغيرهم من قيادات حماس، وأصبحت غزة كالسجن الكبير لحركة حماس وقادتها.
رحم الله الزعيم والشهيد المناضل ياسر عرفات عندما دخل قاعة الأمم المتحدة ليخطب عن دولة فلسطين وحمل غصن الزيتون وقال: «لقد جئتكم بغصن الزيتون فلا تسقطوه من يدي».. هكذا يكون الزعماء والقادة. هل تفكر حركة حماس تفكيرا مستقيما أم تظل على تفكيرها الأعوج؟