سيد حسین موسویان
سفير إيراني سابق
TT

ماذا بعد المحادثات النووية الإيرانية؟

بهدف تخطي عقد من الزمان دارت فيه مفاوضات نووية فاشلة، وقعت إيران ومجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) الاتفاق النووي المؤقت، وخطة العمل المشتركة في جنيف يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013. وضع هذا الجهد المفعم بالأمل المحادثات في حيز التنفيذ من أجل التوصل إلى حل شامل طويل الأجل يتفق عليه الطرفان، الأمر الذي من شأنه أن يضمن أن برنامج إيران النووي سيقتصر على الاستخدامات السلمية.
وبمعنى أوسع، فإن نتائج المفاوضات النووية مع إيران سيكون لها تأثير عميق على عدم الانتشار النووي. وقد تكون خطوة مهمة نحو الوصول إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
ومن المزمع أن يبرم اتفاق نهائي شامل في غضون عام من الصفقة المؤقتة. وينتظر من إيران أن تقبل بالقيود التي ستفرض على برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم وإخضاعها لعمليات التفتيش. وفي المقابل، فإن القوى العالمية ستقوم برفع العقوبات، وستحترم حق البلاد في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية (بما في ذلك تخصيب اليورانيوم)، وتطبيع الملف النووي الإيراني.
وتشتمل مكوناته على تحديد فترة طويلة الأجل يتفق عليها الطرفان بصورة متبادلة تهدف إلى اتخاذ تدابير مؤقتة لبناء الثقة، التي تعكس حقوق الأطراف والتزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاق الضمانات. وستشمل أيضا رفعا شاملا للعقوبات التي فرضها مجلس الأمن، وتلك العقوبات النووية المتعددة الأطراف والخاصة بكل دولة، بما في ذلك خطوات تتعلق بحرية الوصول إلى مجالات التجارة والتكنولوجيا والتمويل والطاقة وفقا لجدول زمني يجري الاتفاق عليه.
وإذا أخفقت الدبلوماسية ولم يؤد الاتفاق المؤقت إلى حل دائم، فسوف يؤدي ذلك في النهاية إلى تصاعد حدة التوترات، وإمكانية اشتعال حرب شاملة، وإجبار إيران على الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي. والآن رغم كل الصعاب، توصلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مع إيران، بدأ المعارضون في التعبئة ضده في كل من طهران وكذلك في الكثير من العواصم الأخرى، بما فيها واشنطن.
إن الطريق أمام التوصل إلى حل شامل مليء بالعقبات. وتشمل التحديات التي تعترض إبرام اتفاق نهائي خلافات حول مفاعل آراك الإيراني الذي يعمل بالمياه الثقيلة ومنشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وقدرة برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني ومستويات الشفافية.
ولن يجري التغلب على كل هذه العقبات إلا إذا وافقت القوى العالمية، في مقابل مزيد من الشفافية من قبل إيران، على احترام حق إيران المشروع في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، ورفع كل العقوبات المتعلقة ببرنامج إيران النووي، وسحب الملف النووي الإيراني من مجلس الأمن الدولي وتطبيع علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويتطلب وضع اللمسات الأخيرة على الصفقة تنازلات من جميع الأطراف. وسيكون أحد التحديات الرئيسة الإصرار الأميركي المحتمل بأن تقدم طهران تنازلات تتجاوز حدود شروط معاهدة منع الانتشار النووي. بيد أن إيران لن تقبل، باعتبارها دولة عضوا في معاهدة منع الانتشار النووي، ذلك التمييز المستهدف. ولحسم مخاوف وكالة الطاقة الذرية حول البعد العسكري المحتمل للبرنامج النووي الإيراني، قد توافق إيران على تحديد إطار زمني محدد لتمكين الوكالة من القيام بمعاينة محكومة.
وسيعطي التوصل لاتفاق شامل مع إيران دفعة نحو إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وقد جرى بالفعل زرع بذور هذا الاتفاق في 9 ديسمبر (كانون الأول) 1974، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا رقم 3263 برعاية إيرانية مصرية. ويدعو القرار إلى إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية. ويظل هذا القرار ساري المفعول إلى أجل غير مسمى وتلتزم دول المنطقة بعدم صنع أسلحة نووية أو حيازتها أو اختبارها أو امتلاكها.
قد يقدم التوصل إلى حل ناجح للأزمة النووية الإيرانية نموذجا للتعامل مع دول أخرى والمساهمة بشكل إيجابي لعدم الانتشار؛ نظرا لأن أربع عشرة دولة تقوم الآن بتشغيل مصانع تخصيب اليورانيوم أو تقوم ببنائها، مما يعزز الاهتمام بالطاقة النووية بين دول الشرق الأوسط. ويبدو جليا أن التوصل إلى أي اتفاق نهائي مع إيران سيضمن أقصى مستوى من الشفافية وجميع تدابير بناء الثقة اللازمة، مما سيؤكد أن البرنامج النووي الإيراني سيبقى سلميا إلى الأبد. وقد يكون هذا الاتفاق نموذجا تحذو حذوه جميع دول الشرق الأوسط الأخرى، باعتباره خطوة أولى لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
وباعتبارها الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها برنامج تخصيب اليورانيوم للاستخدامات المدنية، يمكن أن تلعب إيران دورا من خلال تبني مفاهيم مثل إقامة اتحاد إقليمي أو دولي، وشراكات متعددة الجنسيات لتخصيب اليورانيوم، وعقد اتفاقات وقود متعددة الأطراف في الشرق الأوسط.
وقد تصبح إقامة صفقة نووية شاملة مع إيران نموذجا لإجراء محادثات مستقبلية مع دول المنطقة وغيرها ممن هم على وشك دخول الساحة النووية. وعلى المجتمع الدولي تسوية الخلافات مع طهران بطريقة ودية ومستدامة. ومن ثم يجب إجبار إسرائيل على الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي وتفكيك ترسانتها النووية. إن مستقبل عدم الانتشار في المنطقة وخارجها على المحك.

* السفير الإيراني السابق لدى ألمانيا والمتحدث باسم الفريق الإيراني في المفاوضات النووية مع الاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية
* مجلة «كايرو ريفيو للشؤون الدولية» «www.thecairoreview.com».