سمير صالحة
اكاديمي ومحلل سياسي تركي
TT

أصعب أيام إردوغان

المرحلة الانتقالية في حياة رجب طيب إردوغان التي تنتظره بعد عشرة أيام ليست جديدة عليه، وهو اعتاد على هذا النوع من التحولات الجذرية في حياته السياسية، فالطريق الذي اختاره مليء بالورود، لكنه مفخخ بالأشواك أيضا.
مفاجأة كبيرة وغير متوقعة وحدها هي التي قد تحول بين إردوغان وحلمه السياسي الجديد وتهدد ما بناه بصبر وروية منذ عقود.
استطلاعات الرأي الأخيرة التقت في غالبيتها عند رقم لا يقل عن 54 في المائة من مجموع أصوات الناخبين الأتراك الذين سيقولون «نعم» لإردوغان في ليلة العاشر من أغسطس (آب) المقبل.
المواطن التركي قد يحقق له ما يريد ويوصله إلى قصر الرئاسة في شنقايا، لكن البذل الذي قد يؤديه من المحتمل ألا يكون مختلفا كثيرا عن مصير تورغوت أوزال وسليمان دميريل اللذين اختارا طريقا مماثلا كلفهما التضحية بأحزابهما مقابل منصب الرئاسة، حيث ضعفت وتراجعت وتفككت وغابت عن المشهد بعدما تربعت لسنوات طويلة على عرش العمل السياسي والحزبي في تركيا.
إردوغان قلق لأنه يعرف أن العشرات من الغاضبين والناقمين والمتربصين داخل تركيا وخارجها بدأوا منذ الآن يأخذون أماكنهم في طابور تصفية الحسابات معه ومع حزبه الذي سحقهم وأبعدهم عن الساحة السياسية. فهو قد يجلس على مقعد الرئاسة، لكنه يعرف أنه سيكون كمن يجلس دائما فوق قنبلة جاهزة للانفجار في أي لحظة.
المكتوب بات يقرأ من عنوانه، هناك «كابوس غولن» الذي سيطارد إردوغان عن قرب بسبب التدهور المباشر في العلاقات مع الجماعة التي تقول إنها تخوض حربا على الفساد والرشى والمحسوبيات التي يتحمل «العدالة والتنمية» مسؤولية تفشيها وانتشارها في تركيا. القضاء التركي الذي تتمركز الجماعة فيه بقوة قطع الطريق قبل أيام على محاولة فتح تحقيق بحق المدعي العام التركي المعروف زكريا أوز الذي نشر تغريدات على صفحته يهاجم فيها رئيس الوزراء التركي دون أن يسميه ويهدده بأنه سيلقى المصير نفسه الذي واجهه معمر القذافي وصدام حسين.
الحرب التي يخوضها إردوغان مع الجماعة هي حرب إيرانية إسرائيلية بالوكالة يحاول بعض اللاعبين العرب أن يأخذ نصيبه منها لضرب الطرفين معا وإضعاف الثلاثة في الوقت نفسه.
نظرة على الإعلام الإيراني أو المقرب منه في العالم العربي وما يقول، كافية لتساعدنا على فهم أسباب هذه الحملة على إردوغان «المتعاون مع إسرائيل» والشريك الذي لا يريد أن يفض هذه الشراكة معها.
إردوغان يريد أن يثبت حجم التداخل في المصالح بين إسرائيل والجماعة، وهي تريد أن تثبت حجم التعاون التركي - الإيراني الذي يعد خيانة لعلاقات تركيا مع الغرب والتزاماتها حياله، فمن سينتصر؟
إردوغان يريد الكشف عن حجم التداخل بين الجماعة والموساد الإسرائيلي من خلال حرب التنصت والتجسس على كبار القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في تركيا. والجماعة تقول إن الحرب شنت عليها باسم إيران بعدما استطاعت الوصول إلى الوثائق التي تدين حكومة «العدالة والتنمية» في انفتاحها الواسع على طهران أمنيا وسياسيا وتجاريا بما يتعارض مع كل العقود والاتفاقيات القائمة بين تركيا والغرب في الموضوع الإيراني تحديدا.
كثير من الأتراك هم اليوم، وبفضل إردوغان وسياساته ومواقفه، بين الذين يبدون استعدادهم للتطوع والتوجه إلى قطاع غزة دروعا بشرية تتصدى للطائرات والمدفعية والصواريخ الإسرائيلية. وإردوغان هو الذي يتحمل مسؤولية إيصال العلاقات مع تل أبيب إلى درجة من التدهور دفعت نائبا في حزبه للوقوف أمام منبر الخطابة في البرلمان التركي يرفع العلمين الفلسطيني والتركي جنبا إلى جنب ونجمة داوود بالأحمر وتحتها عبارة: «إسرائيل الإرهابية». وهو الذي يتحدث عن نازية وهتلرية وعنصرية إسرائيل فأخذ مكانه على لائحة المطلوبين من قبل اللوبي اليهودي العالمي، وها هو «المجلس اليهودي الأميركي» يطالبه بإعادة ميدالية الشجاعة التي منحها له في عام 2004 تقديرا لموقف الأتراك في حماية يهود أوروبا من التصفية والإبادة.
الملف العراقي أيضا سيكون بين القضايا التي تقلق إردوغان في الأسابيع المقبلة. فهناك من بدأ يتحدث عن مغامرة تركية محفوفة بالمخاطر في العراق عبر بناء مثلث «أنقرة - أربيل - قنديل» بدعم سني عراقي في مواجهة المحور الأميركي - الإيراني – الشيعي، وأن «داعش» لها حصتها في هذا التفاهم الذي يعد لإعادة رسم خريطة العراق. التدخل الأميركي الفوري والمباشر في تنفيذ عمليته السياسية الجديدة، بدعم إيراني علني، وبتحذير القيادات الكردية من اللعب بالنار التركية والتفريط في الدعم الذي قدمته لهم واشنطن لعقود طويلة، مؤشر آخر حول حجم المواجهة المرتقبة.
هناك من يرى في واشنطن أن حسابات إردوغان، وعلى ضوء ما يجري في الموصل، تتجاوز خطر تنظيم «داعش» وقضية المعتقلين الأتراك، وحتى مسألة تعزيز خيار إقامة الدولة الكردية، إلى محاولة بناء ترتيب عراقي جديد يكون جزءا من منظومة إقليمية جديدة في الجوار التركي، التي يرى إردوغان أن بلاده قادرة على أن تكون لاعبا مؤثرا فيها. الرد الأميركي - الإيراني المشترك الأخير سيتركه أمام ضرورة التحصن الدائم خلال التعامل مع هذا التحالف الجديد القادر على توجيه ضربات موجعة ومؤثرة.
الهيئة الاستشارية المحيطة بإردوغان يشهد لها بكفاءتها في متابعة كل شاردة وواردة في الداخل التركي لناحية جمع ما يكتب ويقال حول إردوغان بشكل يومي وإطلاعه عليه، والدليل سرعة تعامله مع المواقف والتطورات المتحركة والمتقلبة في الداخل. لكن مشكلة إردوغان الأهم ستكون في رصد الخارج بعد وصوله إلى قصر الرئاسة. هل هناك من قام بأي عملية استطلاع للرأي حول شعبيته بالمقارنة مع ما قبل ثلاث سنوات مثلا وجمع ما يقال ويكتب حوله؟ إردوغان سيكون رئيسا لتركيا في السنوات الخمس المقبلة، لكن دوره في الحوار مع الخارج وتبادل حماية المصالح وتوسيع رقعتها، من بين مهامه الأساسية أيضا، خصوصا مع الدول - الأزمات المحيطة بتركيا من كل صوب. ربما أول ما سيحتاج إليه هنا هو وحدة متخصصة لقياس مدى تحرك وتقلب الرأي العام العربي والإسلامي والغربي ونظرته المتحولة حول تركيا، للتعامل مع الوضع الجديد، إلا إذا كان لا يريد أن يغير من نهجه وأسلوبه.
أهم الأوراق التي يستفيد منها إردوغان ويلعبها باحتراف، ربما ورقة المعارضة التركية الفاشلة من الطراز الأول. هذه المعارضة، التي تعمل على مدار الساعة لصالح إردوغان، مشكلتها ليست فقط في إعداد خطط المواجهة معه، بل في عدم ثقة المواطن التركي في ما تقوله وتفعله. لذلك فنحن نجد أن إردوغان لا يغضبها أكثر من اللزوم، ويترك لها فسحة من التنفس لتبقى على قيد الحياة حتى لا تغرق قياداتها ويجد نفسه أمام أزمة معارضة تركية حقيقية هذه المرة.
طرفة «تمل» و«دورسون»، الإخوة الأعداء في تركيا، تقول إن الضابط دورسون أراد أن يسخر من الجندي «تمل»، فسأله ما الذي سيفعله إذا ما فاجأه العدو من الأمام، فقال أطلق النار عليه وأرديه قتيلا. وتابع دورسون: وإذا ما جاء واحد آخر من الخلف، فماذا ستفعل؟ أجاب: أقتله أيضا. وقال: إذا ظهر فجأة مسلح ثالث يخرج من الخندق تحت الأرض؟ قال: أطلق النار عليه هو الآخر.. فاستمر «دورسون» في استفزاز «تمل».. وإذا هبط من الجو مجند رابع، فما الذي ستفعله؟ فغضب «تمل» وقال، ألا يوجد في هذا البلد جندي آخر ليحارب غيري؟ مهمة إردوغان لن تكون سهلة.