خليل رشاد
كاتب ومحلل سياسي مصري
TT

مذابح الفلسطينيين

إن الإتيان بذريعة أو افتعال أزمة للبدء في حرب أو افتعال كارثة اجتماعية ليس بالأمر العسير. وتعتبر رواية جان باروا، للروائي روجيه مارتان دي غار، من أفضل روايات القرن العشرين. وقد نشرت رواية جان باروا منذ مائة عام تقريبا.
دعوني أقتبس ما يقوله الكتاب فيما يتعلق بالكارثة التي بدأت بين المسيحيين واليهود. فقد كان هناك ما يبرر سكب الوقود على النار:
«طردت ستمائة أسرة يهودية من الذين يعيشون في إحدى ضواحي كييف من منازلها.
لماذا؟ ما السبب الرئيسي وراء ذلك؟ ذلك لأن أحد الأطفال المسيحيين وجد مقتولا. لقد صدق الناس ادعاءات المسيحيين، وجاء المبرر المقبول، وهو أن ذلك الطفل قتله اليهود لصناعة الحلوى لأجل احتفالاتهم الدينية، عيد الفصح.
قتلت بعض عائلات اليهود، وغادر الباقون منازلهم بالقوة والكراهية. مات 125 طفلا يهوديا، جراء الشتاء القارس، ونقص الطعام. وظلت أجسادهم تحت عباءة ثقيلة من الجليد الكثيف». (جان باروا، فوليو، ص: 185 – 186).
من الصعب قبول فكرة أن اليهود قتلوا ذلك الطفل المسيحي. كما أنه من الصعب كذلك قبول ذات الفكرة في فلسطين، بأن حماس قتلت الشبان الإسرائيليين الثلاثة. فقد تحول الطفل المسيحي مثل الشبان الإسرائيليين الثلاثة إلى مبرر للشروع في الكارثة.
ومنذ بداية الحرب الجديدة ما بين إسرائيل وغزة، مات أكثر من 300 طفل فلسطيني. قصفت إسرائيل المدارس الفلسطينية، مثل مدرسة الأمم المتحدة في غزة وبيت حانون بتاريخ 24 يوليو (تموز)، كما قصفت المساجد والمستشفيات.
أدان بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة الهجوم على مدرسة الأونروا للاجئين الفلسطينيين في شمال قطاع غزة. ومن الواضح كذلك أن إسرائيل لا تستمع إلى ما يقوله بان كي مون ولا تعير الأمم المتحدة بالا.
بعبارة أخرى، إن إسرائيل قد أعدت نفسها لحرب جديدة ضد الفلسطينيين، وإنهم ليسوا في حاجة إلا إلى مبرر لشن الهجوم وتبرير الاعتداءات القاتلة.
وإنني أكرر ما قلته مسبقا: بدراسة كافة الحروب طوال تاريخ البشرية فإن من الواضح أن إيجاد أو افتعال ذريعة لبدء الحرب لم يكن أبدا بالأمر العسير.
والآن يثور السؤال الكبير. لماذا شرعت إسرائيل في مثل ذلك الهجوم الوحشي جوا، وبحرا، وبرا، ضد الفلسطينيين؟
أولا وقبل أي شيء، تتمحور استراتيجية إسرائيل في التلاعب بالوقت، وإنهم يفعلون ذلك من خلال الادعاء بأنهم يرغبون في السلام مع الفلسطينيين، وبناء بيت من أوراق المفاوضات. ومع ذلك، وفي نهاية الأمر، فإنهم يشعلون أوار الحرب ويدمرون كل شيء، ثم يعاودون الكرة بجولة جديدة من المفاوضات! وتستغرق هذه اللعبة عقدا أو نحو العقد من الزمان.
الأمر الثاني، نجحت حركة فتح وحماس في إقامة جبهة موحدة وحكومة موحدة مشتركة، وهو أمر غير مقبول لدى إسرائيل.
وقعت حماس في خطأ استراتيجي عندما فصلت غزة عن الضفة الغربية، وحماس من حركة فتح، مما منح إسرائيل بطاقة ذهبية تلعب بها في المفاوضات، وفرصة رائعة لتعزيز استراتيجيتها. وقد أضعفت فتح وحماس بعضهما البعض، وأعطيا إسرائيل الفرصة لفرض استراتيجيتها عليهما معا.
وعندما غيرت حماس رأيها وقررت العمل مع فتح ومع الرئيس محمود عباس حتى يمكن إقامة حكومة جديدة وموحدة، وتبني استراتيجية جديدة، وتقوية موضعهم خلال المفاوضات مع إسرائيل، كان ذلك بمثابة كارثة على إسرائيل. وكيف يمكن لإسرائيل الفرار من تلك الكارثة والاستمرار في استراتيجيتها؟ ليس من سبيل سوى تدبير حرب جديدة ضد حماس، وغزة، وكل فلسطين.
ثالثا، ولسوء الطالع، فإن مقتل الناس في سوريا والعراق، ومقتل المسلمين على أيدي رفاقهم المسلمين، صار أمرا معتادا. فلنذكر الاحتفال العائلي في مدينة الموصل، حيث كان من بين الحضور بعض الفتيات المراهقات، فما كان من {داعش} إلا مهاجمة المنزل، وأعدمت كل الموجودين من أفراد العائلة، بمن فيهم الفتيات الصغيرات. كل تلك الجرائم، بما فيها مقتل الأبرياء على أيدي متطرفي {داعش} وغيرهم من الجماعات الموتورة، يوفر لإسرائيل فرصة سانحة لاستخدام ذلك الجو المشحون بالقتل والدماء في المنطقة لقتل المزيد من الفلسطينيين.
رابعا، طالعت مقالة غريبة نشرت في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، تلك الصحيفة الإسرائيلية. كاتب المقالة هو شمعون شيفر، ويفسر فيها آراءه حول الحرب القائمة بين إسرائيل وفلسطين، حيث يقول: «يتطلع الكثير من الناس للعثور على مبرر مشروع لهجمات جيش الدفاع الإسرائيلي المستمرة منذ يوم الجمعة، وإنني أجيبهم في عبارة واحدة: إما أن تكون قاتلا أو مقتولا». (يديعوت، 21-7-2014). تلك بالضبط هي الاستراتيجية الخفية لإسرائيل، كما وضحها لنا شمعون شيفر.
شرع الإسرائيليون في بداية الأمر في قتل الفلسطينيين أو العرب في عقولهم الباطنة من خلال نشر ثقافة الكراهية بين اليهود. زاعمين أن إسرائيل هي دولة يهودية ذات حكومة يهودية مما يشير إلى عدم وجود مجال فيها للمسلمين أو المسيحيين. وما كانت المفاوضات مع الفلسطينيين إلا لعبة بروتوكول، تهدف لتقسيم الفلسطينيين، واصطياد سمكة كبيرة من المياه الموحلة. عندما كان الزعيم الراحل ياسر عرفات يتحدث مع إسرائيل، كانت إسرائيل توهن من دوره من خلال دعم أناس آخرين في حركة فتح.
يمكن لإسرائيل الحياة والبقاء فقط من خلال استخدام الفراغ ما بين فتح وحماس من أحد الجوانب، والفراغ بين كافة الدول الإسلامية من جانب آخر. وذلك هو المفتاح السري لاستراتيجية إسرائيل في فلسطين وفي المنطقة.