سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

البحث عن القتيل

كل حرب إسرائيلية كبرى على الفلسطينيين، ترافقها صراعات سياسية لا علاقة لها بما يحدث للضحية. الجريمة تتمادى والبحث جار عن القتيل. تركيا وقطر تحاولان سبق مصر التي تقع، للتذكير، على بعد حاجز حدودي من غزة. ومصر قلبها على غزة وعينها على سيناء وعلى من يمول قتل جنودها على حدود ليبيا، ومن يعد المحاولات شبه اليومية على حياة رئيس الدولة. مع أن بعض إعلامها فقد أعصابه ففقد آدابه.
حماس مصرة على التعالي على الحكم المصري وفي الوقت نفسه تريد مساعدته. ومصرة على التعالي على السلطة الفلسطينية وعلى تحميلها مسؤولية العدوان الإسرائيلي والتقصير في رده. والقوى التي كانت تدعم حماس سياسيا وسلاحا، غائبة عن السمع إلا من خلال بيانات 1967. وروسيا التي احتلت مجلس الأمن في العامين الماضيين تفكر في منح مندوبها إجازته الصيفية. وقد يكون في ذلك إفادة للجميع.
الغريب، أو المريب في كل ما يحدث، أن رئيس المخابرات الإسرائيلية (شين بيت) السابق بوفال ديسكن يقول لـ«دير شبيغل» إن حماس ليست من خطف الإسرائيليين الثلاثة في الضفة الغربية. من إذن؟ هو أيضا يقول إن إسرائيل أرادت حربا لتدمير شبكة الأنفاق التي أخفقت في تدميرها عام 2006. بكلام آخر، يحاول نتنياهو أيضا أن يصنع سياساته فوق جثث الغزاويين وركام غزة.
كلما وقعت جريمة في هذا الحجم بحث كل فريق عن فوائده فيها. مهرجان سياسي خطابي متنوع مقابل جنازات بلا حدود. فجأة تكتشف حماس ذلك النقض التاريخي المتكرر: كلما كبرت مأساتها البشرية حجما، عظم نصرها المعنوي. برهان آخر على شراسة فريق نتنياهو في ميزان الرد، كما كتب الأمير تركي الفيصل.
أين ستبحث حماس عن الجائزة السياسية للكارثة الإنسانية؟ إن تركيا وقطر هما الدولتان الشرقيتان الوحيدتان اللتان لهما نفوذ على إسرائيل. وكلتاهما تريد إحراج مصر أكثر من مساعدة حماس. ومصر تعرف أن في يدها قنبلة حارقة لا تعرف أين تبردها. والمستر جون كيري طائر شريد مثل مالك الحزين فوق سماء لبنان خلال موسم الهجرة. ولكن الجرح الحقيقي لا يوجع إلا في مكانه. وغزة وجع عميق. ونازف بلا قعر.