روجر كوهين
كاتب, نيويورك تايمز
TT

المستحيل يحدث أحيانا

تشق سيارات الشحن المليئة بالجثث طريقها في جميع أنحاء أوروبا. فبعد أكثر من أسبوعين من القتال في غزة، لقي ما لا يقل عن 150 طفلا فلسطينيا حتفهم، وفقا لأرقام الأمم المتحدة. وأطلقت حماس آلاف الصواريخ تجاه إسرائيل، وقتل 32 جنديا إسرائيليا وهم يقاتلون بداعي إنهاء هذا الإرهاب.
عندما يموت الأطفال بهذه الأرقام، وعندما يطعن مرة أخرى في مطالب الشعب الإسرائيلي في قطعة من الأرض، عندما يصيح نشاز من كل جانب قائلا بأن {حقائقه} تطغى، يبدو التقدم البشري ضربا من الخيال. كانت الحقيقة، حتى قبل وسائل الإعلام الاجتماعية، دائما الضحية الأولى للحرب.
وحتى الآن، رغم كل الأدلة، يظل الناس يأملون ويسعون إلى تحقيق العدالة.
من جهتها، تضيق حماس الخناق على 1.8 مليون فلسطيني محصورين في {سجن مكشوف} في قطاع غزة كما أطلق عليه ذات مرة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني. إنه تنظيم كاره لليهود. يصب الخرسانة من أجل بناء متاهة من الأنفاق بدلا من بناء المدارس. أصبحت مطالب حماس التي جرى إعادة ترتيب أوضاعها هي مطالب الشعب الفلسطيني.
ينتهج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استراتيجية تقوم على أساس الوضع الراهن وذلك بالإبقاء على انقسام الفلسطينيين والحفاظ على الهيمنة الإسرائيلية. وثمن هذه الاستراتيجية هو عنف دوري؛ فهذه ثالث حرب مصغرة ضد غزة في آخر ست سنوات. والنتيجة هي انتفاضة الشعب المظلوم.
قبل بضعة عقود، ندد نتنياهو بجهود رئيس الوزراء اسحق رابين التي كانت ترمي إلى تحقيق السلام مع الفلسطينيين من خلال اتفاقات أوسلو. فرابين، الذي كان قد تعهد ذات مرة بـ{كسر عظام} الفلسطينيين، سعى إلى السلام ليس لأنه غير وجهة نظره عن العدو ولكن لأنه لا يرى أي بديل. عقد نتنياهو مقارنة بين رابين ونيفيل تشامبرلين الأمر الذي لم تغفره أرملة رابين لنتنياهو.
قال نتنياهو مؤخرا إن الصواريخ التي تطلق من غزة أظهرت مدى أهمية {أنه ليس لدينا غزة أخرى في منطقتي يهودا والسامرة} (الضفة الغربية). وأعلن {أعتقد أن الشعب الإسرائيلي يفهم الآن ما كنت أقوله دائما: لا يمكن أن يكون هناك وضع، في إطار أي اتفاق، نتخلى فيه عن السيطرة الأمنية على الأراضي غرب نهر الأردن.}
وعقب تعليق بعض الرحلات في مطار بن غوريون في تل أبيب بسبب صواريخ حماس، تعزز موقف نتنياهو إلى حد بعيد.
ويتأصل في السياسة الإسرائيلية أن اندلاع العنف يبرر بدوره السياسة التي تدفع بدورها إلى مزيد من العنف. ومن ثم تنتعش حماس من جديد، وتنحسر فكرة إقامة دولة فلسطينية.
ولا يزال غالبية الناس يأملون.
إذ يرغب نتنياهو في إقامة دولة ذات أغلبية يهودية، ويريد عباس وضع حد للاحتلال ونيل الحرية وإقامة الدولة للفلسطينيين. إن هذين الهدفين لا يتعارضان، فهما مكملان بعضهما لبعض.
في زيارتي الأخيرة إلى إسرائيل، مررت من خلال بوابة دمشق في مدينة القدس القديمة. وتوافد نحوي فلسطينيون خارجون من المسجد الأقصى في حشد كبير. ركضوا مباشرة إلى مجموعة من اليهود المتطرفين تتجه نحو الحائط الغربي، وفي تلك اللحظة، خرج من {طريق الآلام}، حشد من المسيحيين الفلبينيين. كان ذلك مشهدا مستحيلا، بل مثيرا للضحك؛ تدافع الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى في الممر ليس هناك طريق حول أي منها. إن شعوب الأرض المقدسة لا ينفكون عن بعضهم البعض. وبدون إدراك ذلك، لن تكون أي هدنة أو حتى نزع سلاح غزة سوى محطة على الطريق نحو جولة أخرى من القتل.
هذا هو السيناريو المرجح ولكنه ليس حتميا. فالأشياء المستحيلة تحدث أحيانا.
* خدمة {نيويورك تايمز}