نيكولاس كريستوف
TT

غزة.. من على صواب ومن على خطأ؟

بينما تغزو القوات الإسرائيلية غزة مجددا ويرتفع عدد القتلى، تتشابه بعض الروايات التي يدلي بها أنصار كلا الجانبين بشكل غريب. ربما يكون قد حان الوقت لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة وسط الصواريخ التي تُقصف ذهابا وإيابا.
على النقيض من ذلك، هذه الحرب يحظى فيها كلا الجانبين بقدر كبير من الحق. وقد أسفر الإخفاق في الإقرار بالإنسانية والمصالح المشروعة لشعب الجانب الآخر عن حالة غضب عارمة أدت إلى التصعيدات العسكرية إلى الحد الذي جعل كلا الشعبين أسوأ حالا.
من حق الإسرائيليين التمتع تماما بالحق في عدم التعرض للقصف بالصواريخ من جانب حماس، وعدم التعرض للخطف، وعدم التعرض للتفجيرات الإرهابية.
ومن حق الفلسطينيين أيضا التمتع تماما بالحق في إقامة دولة، وإدارة الأعمال التجارية واستيراد البضائع، والعيش في حرية، وألا يعيشوا في أرضهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.
كلا الجانبين لديهم الكثير من الناس الطيبين ممن يريدون فقط تحقيق الأفضل لأطفالهم ومجتمعهم، جنبا إلى جنب الكثير من المتعصبين قصيري النظر الذين يدعون إلى الكراهية. وتكمن نقطة البداية في أن ننحي جانبا رواية الخير مقابل الشر، والإقرار بأن هذه ما هي إلا قصة مؤلمة لشعبين يصطدمان بعضهما ببعض، وكل منهما لديه مظالمه المشروعة. ولا يعني أن الصراع الأساسي هو بين شعبين لكل منهما الكثير من الحقوق، أنه لا يوجد أشرار؛ حيث إن حركة حماس تلجأ إلى أعمال العنف ليس فقط حيال إسرائيل، ولكن حيال شعبها أيضا. وعلى النقيض من إسرائيل، لا يبدو أن حماس تحاول تقليل معدل سقوط الضحايا من المدنيين - سواء كانوا المدنيين الفلسطينيين أو الإسرائيليين. بناء على زياراتي التي قمت بها إلى غزة، وجدت أيضا أن حماس لا تحظى بشعبية في الداخل؛ ففي بعض الأحيان يبدو أن حماس تحظى بتأييد كبير بين طلاب الجامعات في أميركا أو أوروبا أكثر من طلاب الجامعات داخل قطاع غزة.
وفي غضون ذلك، نجد أن اليمين الإسرائيلي يقوّض من أفضل شريك للسلام بالنسبة لإسرائيل المتمثل في رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كما تعد المستوطنات الإسرائيلية بمثابة هدية مقدمة للتطرف الفلسطيني.
يعتقد القادة الإسرائيليون أن غزو غزة وتفجير الأنفاق هو السبيل لحماية المواطنين، وإذا لقي المدنيون والأطفال في غزة حتفهم، فإنه سيكون أمرا محزنا ولكنه حتمي، بينما يعتقد البعض في غزة أنهم يقبعون بالفعل في سجن مفتوح، ويختنقون تحت الحصار الإسرائيلي، وأن السبيل الوحيد للتغيير هو إطلاق الصواريخ، وإذا لقي بعض الأطفال الإسرائيليين مصرعهم، فإنه سيكون أمرا محزنا، ولكن مائة ضعف من الأطفال الفلسطينيين قد ماتوا بالفعل.
في الواقع، رأينا هذا الفيلم من قبل؛ حيث ردت إسرائيل على العدوان من خلال غزو لبنان عامي 1982 و2006، وقطاع غزة في 2008، وفي كل مرة تشعر الصقور بالسعادة، ولكن حققت إسرائيل في كل غزو شنته في الماضي أفضل مكاسب عسكرية مؤقتة، بينما تقتل عددا كبيرا من الأبرياء، ولم يقوموا بتسوية أي مشكلة.
وبالمثل، لم يسفر القتال والتشدد الفلسطيني عن شيء سوى زيادة شقاء الشعب الفلسطيني. فإذا لجأ الفلسطينيون بدلا من ذلك إلى حملات المقاومة غير العنيفة وساروا على نهج غاندي، سيتردد صدى أشرطة الفيديو في جميع أنحاء العالم، وستتمكن فلسطين من إقامة دولة لها وتحقيق الحرية. ماذا كنت ستفعل إذا كانت أسرتك في غزة - إسرائيل، ويواجهون خطر التعرض للقتل؟ بالتأكيد لن تجلس مسترخيا وتغني «كومبايا»، أليس الأمر كذلك؟ إذا كان أي منا موجودا في جنوب إسرائيل، يخاف من خطر الصواريخ التي تقصفها حماس، فسنهتف أيضا مطالبين بغزو غزة. وكذلك الأمر إذا كان أي منا في قطاع غزة، ويختنق من الحصار المفروض، ويفقد أقاربه جراء الغارات الجوية الإسرائيلية، فإننا سنهتف أيضا لإطلاق الصواريخ على تل أبيب. هذه هي الطبيعة البشرية.
ولهذا السبب، نحن بحاجة إلى تهدئة، تبدأ بوقف إطلاق النار، تشمل وضع حدّ لقصف الصواريخ من جانب حماس، وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة. وبالنسبة لإسرائيل، تعد هذه بمثابة فرصة لاستخدام الأداة الدبلوماسية من أجل تحقيق ما لم يستطع مسحوق البارود تحقيقه وهو: تهميش حركة حماس.
وبذلك نكون بصدد صراع بين الحق والحق استغله المتشددون من كلا الجانبين، ويعمل كل منها على تأجيج الآخر. ولا يعني هذا أنهما متشابهان، ووجهة نظري لا تعني وجود تكافؤ، ولكن هناك تشابه مؤلم في بعض الجوانب، ومن أمثلة ذلك أن كلا الطرفين يرفض بشدة وجود أي نوع من التشابه بينهما على الإطلاق.
* خدمة «نيويورك تايمز»