راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

غزة: شتاء صاروخي على مظلة معدنية!

في كل الحروب العدوانية التي شنتها إسرائيل، لم تواجه قرارا كالذي اتخذته الهيئة الأوروبية لسلامة الطيران المدني يوم الثلاثاء الماضي، عندما أوصت بوقف الرحلات إلى تل أبيب حتى إشعار آخر. جاء ذلك بعد إطلاق حماس على مدى أسبوعين دفعات متتالية من الصواريخ على العمق الإسرائيلي وصل بعضها إلى محيط مطار بن غوريون في تل أبيب.
نتائج عدوان «الجرف الصامد» لن تختلف عن نتائج عدوان «الرصاص المصبوب» ولا عن غيره من جرائم نازيي العصر الجدد، لكن نتنياهو ذهب بعيدا في القتل والتدمير، وهكذا عندما ألقت المقاتلات الإسرائيلية قنابل من زنة طن على حي الشجاعية، بدا كأنه يريد أن يتقدم على بشار الأسد الذي يهدم سوريا بالبراميل المتفجرة.
قبل الحديث عن الاشتباك حول المبادرة المصرية لوقف النار، يتعين التوقف أمام مؤشرات لافتة يمكن تسجيلها من خلال العدوان:
أولا: الغزارة الصاروخية التي تبين أن حماس تملكها، والتي لم تعد مقتصرة على القذائف المحلية الصنع، بل هناك أنواع من القذائف الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي، كانت قد وصلت إلى غزة عبر مصر يوم كان محمد مرسي يراسل شيمعون بيريس بالقول من «الصديق المخلص إلى الصديق الوفي».
ثانيا: إن القبة الحديدية التي أقامتها إسرائيل لمواجهة الصواريخ، والتي طالما قيل إنها مشروع فاشل لن يتمكن من تأمين مظلة تقيها القصف الصاروخي وهو سلاح الردع وتوازن الرعب الجديد الذي تواجهه، نجحت إلى حد بعيد في إسقاط صواريخ حماس، ولهذا لم يصب أي إسرائيلي قبل بداية العدوان البري.
ثالثا: إن العدوان البري بعد ثمانية أيام من القصف الجوي المتوحش كان بهدف تدمير الأنفاق التي تقلق العدو، لكن ليس من السهل أو الممكن الوصول إلى كل هذه الأنفاق، التي تشكل تهديدا يتيح لرجال حماس الانقضاض والقيام بعمليات خاطفة وراء خطوط الإسرائيليين وربما خطف جنودهم.
رابعا: إن الغزارة الصاروخية التي استهدفت المستوطنات والمدن الإسرائيلية لم توقع إصابات تذكر، لكنها فعلت فعلها على المستوى النفسي لدى الرأي العام الإسرائيلي، خصوصا في الملاجئ، ثم جاء قرار شركات الطيران الأميركية والأوروبية بوقف الرحلات إلى تل أبيب، ليضع نقطة ضعف جديدة ومهمة في سجل إسرائيل التي هالها مجرد الإعلان عن الأمر.
من خلال هذه المؤشرات، يمكن فهم الاشتباك الذي حصل حول المبادرة المصرية، التي تبقى المحور الوحيد الذي يبنى عليه لوقف النار والبحث عن مخارج تنهي عملية التدمير الوحشية التي طحنت غزة وقتلت المئات وجرحت آلاف الفلسطينيين.
الرئيس عبد الفتاح السيسي أراد التركيز على ضرورة وقف النار بسرعة وكل «الأعمال العدائية» من الطرفين، وهو ما رفضته حماس التي تواجه مأزقا داخليا، حيث إنها لم تدفع رواتب موظفيها الخمسين ألفا منذ شهور، وتعاني من حصار خانق ازداد بسبب تدهور علاقاتها مع مصر، في حين تبدو المصالحة الفلسطينية متعسرة.
ومع دخول تركيا وقطر على الخط في دفع حماس لرفض «المبادرة المصرية» على خلفية سقوط محمد مرسي و«الإخوان المسلمين»، سارعت إسرائيل إلى قبول المبادرة التي تحولت مع الشروط والشروط المضادة من حماس من اتفاق لوقف النار إلى عملية مستحيلة لحل يقوم على شروط لا يمكن تلبيتها من الطرفين.
حماس التي لا تملك شيئا تخسره والتي ملأت سماء إسرائيل بالصواريخ أرادت أن تتضمن المبادرة مطالبة إسرائيل بالوقف الفوري للعدوان برا وبحرا وجوا، ووقف سياسة التوغل والاجتياح والاغتيال وهدم البيوت، وفك الحصار البحري والبري بشكل كامل، وضمان حرية الصيد البحري حتى 12 ميلا، وحرية الحركة في المناطق الحدودية، وإلغاء المنطقة العازلة.
في المقابل طرح العدو شروطه وأهمها جعل قطاع غزة منزوع السلاح بتجريد الفصائل الفلسطينية من أسلحتها، وبهذا لم تعد «المبادرة المصرية» تقتصر على الدعوة إلى وقف النار وإلى أن يبدأ الطرفان حوارا في القاهرة، بل تحولت سلة من الشروط المعقدة التي يحاول الرئيس محمود عباس حلحلتها، خصوصا فيما يتصل بمعبر رفح، ذلك أن مصر تصر على عدم فتحه ما لم يتم تسليمه إلى حرس الرئيس الخاص وانتشاره على طول الحدود مع غزة مع وجود مراقبة دولية إنفاذا لاتفاق عام 2005.
والموجع أن العدوان الجديد أشعل حريقا يدمر غزة، يضاف إلى مجموعة الحرائق المندلعة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، وفي زمن لم يعد فيه الشرق الأوسط أكثر من كسور حساب في العواصم الكبرى!