لورا كوكوتايلو
باحثة أميركية مختصة بسياسات الشرق الأوسط
TT

ما الذي ستفعله واشنطن؟

ربما لم يمر على واشنطن يوم أكثر إرباكا وغموضا وتشابكا في ملف الشرق الأوسط، كما هو حالها الآن مع ملفي العراق وسوريا. ففي الوقت الذي ترغب فيه إدارة أوباما بالابتعاد عن المنطقة للتفرغ لملفات تراها أكثر أهمية في دول المحيط الهادئ وجنوب أميركا، يمتد خرطوم فيل الشرق الأوسط ليجرها مرة أخرى إلى المنطقة. الخطير بالأمر أن واشنطن التي تعترف بحجم تهديد «داعش» الأمني لها وللعراق والمنطقة، تجد نفسها غير مطلقة اليد لضرب هذا التنظيم.
الحلول العسكرية الأميركية المطروحة لمواجهة خطر «داعش» قد تكون نتائجها عكسية، وقد تجلب أية ضربات جوية عسكرية أميركية الفائدة لـ«داعش» إذا لم يسبقها حلول سياسية للأزمة العراقية. الرئيس أوباما أقر أن خطر «داعش» قد يطال بعض الدول، بينما رئيس لجنة الأمن الداخلي في الكونغرس مايكل مكاويل قال إن خطر «تنظيم داعش هو التهديد الأول للوطن، والتهديد رقم واحد للأمن القومي منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول)».
مع ذلك فإن الحلول العسكرية المطروحة، إذا ما جاءت وحدها، قد تفاقم المشكلة. ويتفق مع هذا الرأي، العقيد السابق في الجيش الأميركي بيتير منصور، مؤكدا أن «كل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة هو أن تكون الوسيط بين كل الشركاء في العراق». وأضاف منصور في ندوة حول أزمة العراق نظمتها مؤسسة ATFP في واشنطن الأسبوع الماضي أن «من اللازم أن الولايات المتحدة لا تستخدم الخيار العسكري من دون الحل السياسي.. نحتاج إلى الدبلوماسية والسياسة الجيدة في العراق ليمكننا من أن نحصل على نفس التماسك الشعبي، الذي هزم تنظيم القاعدة» ضمن «خطة الصحوات» في 2007.
عسكريا، لجأت واشنطن إلى تطمين العرب في العراق والمنطقة بأن أي عمل عسكري ضد «داعش»، لن يكون اصطفافا مع الشيعة ضد السنة، كما كان ذلك واضحا في زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة كي يطمئن القادة هناك، ولكي يطلب دعمهم لأي عمل عسكري محتمل في العراق. ولأن «داعش» موجودة في سوريا أيضا قام كيري بالتنسيق مع زعيم المعارضة السورية أحمد الجربا لخلق جبهة ضد هذا التهديد. الهدف هو عزل العشائر العربية الثائرة ضد السياسات الطائفية في بغداد من هذا التنظيم.
في نفس الندوة أعلاه، تحدث جون الترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في منظمة «CSIS» في واشنطن، موضحا أن أحد أسباب النجاحات الميدانية التي حققها تنظيم «داعش» هو أن الأطراف الرئيسة في الشرق الأوسط، تجني بعض الفوائد من الخطر الآني الذي يشكله هذا التنظيم في المنطقة. وقال الترمان إن «كل الدول في المنطقة تريد لـ«داعش» أن يقاتل، ولكن لا أحد يريد له أن ينتصر، مشدداً على أنه تنظيم مفيد لكل جيران العراق تكتيكيا.
هذه المعضلة تجعل من الدور الأميركي في حل هذه الأزمة أكثر إلحاحا، ففي ظل هذا الواقع، فإن هذه الأزمة مرشحة للانزلاق إلى حرب إقليمية مدمرة قد تستمر إلى سنين. وهناك من يترصد لشغل أي فراغ تتركه أميركا في العراق وسوريا. روسيا بعثت طائرات مقاتلة على وجه السرعة إلى بغداد في صفقة تم ترتيبها على عجل. ولكن العجلة باستخدام السلاح في الملف العراقي ليس خيارا حكيما كما علمتنا سنين الحرب هناك.
الشعب الأميركي لا يرغب في دخول حرب جديدة. وهو محق بذلك. ولكن إذا كان بإمكان واشنطن منع اندلاع حرب بهذه البشاعة، فعليها أن تفعل ما تستطيع لأجل ذلك. وبسرعة.
*باحثة أميركية مختصة
بسياسات الشرق الأوسط