د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

التحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي

كلما تفاقمت «الثورات الداخلية» في الدول العربية، انعكس ذلك على الوضع الداخلي، وعلى التحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي العربي؛ التحدي الأول هو تحد داخلي، حيث إنه رغم مضي أكثر من 30 عاما على تأسيس مجلس التعاون العربي الخليجي، فإنه لم يجرِ إلى الآن تفعيل بعض القرارات والقوانين التي تخدم المواطن الخليجي، وتنفيذ بعض المشاريع التي صدرت في مؤتمرات القمة لمجلس التعاون، واتفق عليها بالشكل الذي يطور المجلس كمنظومة سياسية جيوبولوتيكية، فلقد انشغل المجلس لسنوات عديدة في مسألة حل الخلافات الخليجية - الخليجية، وما زال، إضافة إلى أن هناك من المشاريع الاقتصادية ما لم يجر تنفيذها مثل مشروع التجارة البينية بين دول المجلس، وكذلك السعي إلى توحيد العملة الخليجية، وربط شبكة المواصلات والاتصالات، التي من أهم مشاريعها، شبكة الكهرباء والقطار الخليجي.
ولا بد أن نعرف أن هذه البنية التحتية للمجلس شيء ضروري لكي يقف على قدميه. وهي التي تضمن ديمومة هذا المجلس وبقاءه لمواجهة التحديات التي تواجهها هذه الدول، وما دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن ينتقل المجلس من وضعه الحالي إلى كيان اتحادي، إلا ليرتقي المجلس ويتجاوز الشكل التقليدي الذي هو عليه، حيث إن بقاء المجلس كمنظومة سياسية لن يسمح له بأن يقوم بدوره وبتفعيل كل ما يصدر عنه من قرارات. بالطبع هناك خلافات لكن المجلس قادر على تجاوزها.
التحدي الثاني هو تحد خارجي حيث إن «الموجات الثورية العربية» وإرهاصاتها على دول مجلس التعاون تمثل تحديا أمنيا على دول المجلس، فدول المجلس أصبحت محاطة بسلسلة «حركات وتيارات»، كالذي يحدث في العراق مثلا، ودخول «داعش» على الخط لإقامة دولة الشام والعراق الإسلامية، وما قد تمثله من تهديد على دول المجلس، وكذلك الحوثيون في اليمن الذين تدعمهم إيران وما يمثلون من تحد آخر لأمن جنوب المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى، وتداعيات الثورة السورية.
والتحدي الثالث هو برنامج إيران النووي المخصب، الذي يجعل كل دول الخليج العربي في مرمى القوة النووية الإيرانية بحكم الموقع الجغرافي، وإذا ما استطاعت إيران أن تبرم اتفاقا مع دول «5+1»، وتخرج ببعض المكاسب فسيكون ذلك على حساب أمن دول الخليج العربي. إننا لم نفهم بعد لغة الغزل بين إيران مع دول «5+1»، وخاصة أميركا، والتصريحات المتبادلة فيما بينهما، التي توحي ليس فقط بما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، إنما بالعلاقات بمفهومها الشامل بين إيران وهذه الدول، ويا ترى هل يكون ذلك على حساب مصالح أميركا والغرب مع دول الخليج العربي؟
نتيجة لكل هذه التحديات الداخلية والخارجية، بات مطلوبا من دول الخليج العربي أن تصحح مسار المجلس رغم الخلافات فيما بين بعض دول المجلس، وأن تدرك أن الخارطة السياسية في العالم لا تسمح بوجود الدول الصغيرة، وإنما بالتكتلات السياسية الإقليمية. ومن جهة أخرى عليها أن تدرك أن الأخطار التي تهددها لن تقتصر على دولة بعينها، إنما سوف تشمل الجميع، وقتها لن ينفع الندم.
يجب على دول مجلس التعاون الخليجي العربي أن تجمد كل خلافاتها الجانبية، وأن تدرك أن القضية الأهم الآن ليست وجود اتحاد أو عدم وجود اتحاد مثلا. لا بد إذن من اتخاذ خطوات إيجابية لكي تصفي المناخ السياسي الخليجي، وتدرك أن هناك من يتربص بدول الخليج العربي ومن مصلحته أن تستمر هذه الخلافات حتى يحقق أهدافه.
ليس هناك خلافات مع دولة قطر وبعض دول المجلس، إنما هناك سوء فهم لبعض المواقف وبعض القضايا الإقليمية والدولية. لا نعتقد أن هناك مثلا خلافا على أمن الخليج، وقضية فلسطين، والقضية السورية، واليمن، وغيرها من القضايا الساخنة. إنما القضايا المختلف عليها قضايا هامشية، وروابط المصير المشترك وصلة الدم سوف تبقى، علينا أن نتذكر كم من الخلافات مرت بها دول المجلس فيما بينها منذ إنشاء المجلس، ولكن جرى تجاوزها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر القضايا الحدودية بين دول المجلس. وهذه ظاهرة صحية تدل على حالة الديمومة في المجلس؛ إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي قد حدث فيما بينها خلافات، فما بالنا بدول مجلس التعاون؟!
إن المجلس قد حقق كثيرا من الإنجازات على جميع المستويات، وأكبر دليل على ذلك أثناء الغزو العراقي للكويت، فلقد توحدت دول المجلس، وظهر «درع الجزيرة» الذي كان الطرف القوي في تحرير الكويت. إن قوة المجلس ودوره يظهران في المواقف المهمة التي تتطلب التعاون والتنسيق.
لا يظن أحد أن هذا المجلس سوف يجري الاستغناء عنه وعن وجوده، لأنه لا بديل عن هذا المجلس، وأنه وجد ليبقى، وأن آليات التعاون وتشابه الخصائص السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحتم على دوله الاستمرار، خاصة في ظل الدور غير المقنع لجامعة الدول العربية في كل اجتماعاتها، وفي ظل الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، كل ذلك يستوجب اللحمة والتماسك بين دول مجلس التعاون العربي الخليجي.