علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

غزة تحتاج حلا دائما

أصبحت المسألة وكأنها قدر محتوم مكتوب على سكان غزة، كل عامين تنشب حرب يتخللها قصف جوي، واجتياح بري إسرائيلي تكلفته فادحة في أرواح المدنيين الفلسطينيين، بخلاف الخسائر المادية والمنازل التي تهدم، ويتحول الآلاف إلى نازحين ولاجئين يضطرون إلى ترك منازلهم هربا من القصف.
في كل مرة تستمر المواجهات أياما أو أسابيع، ثم تدخل الوساطات، إقليمية ودولية، ويتوافد المبعوثون إلى المنطقة للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإبرام ترتيبات تهدئة يعرفون أنها مجرد حلول مؤقتة لا تمنع اندلاع حرب أخرى بعد فترة من الزمن، حدث هذا في 2012 ويتكرر الآن.
الأزمة الحالية كانت عواملها تتفاعل منذ فترة تحت السطح سواء في غزة أو في إسرائيل، وكانت مسألة انفجارها مجرد توقيت، فاختطاف المراهقين الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم مجرد سبب، وكان يمكن أن يكون رد الفعل الإسرائيلي في حجم الحادثة التي وقعت في الضفة الغربية، وليس بهذا الحجم الذي يوصف بأنه سياسة عقاب جماعي، كما أن حركة حماس كان يمكنها أن تناور دبلوماسيا عن طريق السلطة الفلسطينية لوضع إسرائيل في وضع محرج لا تستطيع أن تبرر فيه العمل العسكري ضد القطاع أمام القوى الغربية التي اتخذت مواقف معلنة مبررة للعملية العسكرية الإسرائيلية.
الشواهد تدل على أن الطرفين رغم الخلل الكبير في الميزان العسكري بين الجانبين كانت لديهما إرادة للوصول إلى نقطة الانفجار، إسرائيل من جانبها كانت ترى خطرا في اتفاق المصالحة الفلسطيني الذي أبرم بين السلطة الفلسطينية والحركة، والذي قاد إلى حكومة وحدة وطنية بما يخرج حماس من عزلتها السياسية، وقد يسمح بفك الحصار إذا جرت الترتيبات الخاصة بالمعابر الحدودية وفق ما كان عليه الوضع أيام كانت السلطة تحكم القطاع قبل طردها منه.
حماس من جانبها كانت تشعر بعزلة تأكل من رصيدها، والمعادلات الإقليمية والدولية تزيد من حالة عدم الاهتمام، فبؤر الأزمات في المنطقة، سواء في سوريا والعراق وليبيا، أكثر إلحاحا وخطورة بالنسبة إلى الأطراف المعنية إقليميا ودوليا، وحلفاء الماضي أصبحوا أعداء، مثل النظام السوري الذي كان يستضيف قيادة الحركة، وإيران مشغولة بسوريا والعراق، وإخوان مصر رحلوا من السلطة، وتوترت علاقات قيادة حماس بالقاهرة بسبب المواقف التي اتخذتها الحركة لأسباب آيديولوجية ضد نظام ما بعد 30 يونيو (حزيران). وفي مثل هذه الحالات يكون تفجير الموقف بمثابة إعادة وضع الأزمة على خريطة الاهتمامات. والفاتورة يدفعها سكان غزة من أرواحهم ومعيشتهم وحالة الحصار الخانقة التي يعيشونها من دون أن يكون هناك أمل في المستقبل المنظور لنهاية لهذا الوضع.
والمؤكد في الأزمة الحالية التي تحولت أيضا إلى جزء من الصراع الإقليمي كما نرى من صراع المبادرات والوساطات التي تريد منافسة المبادرة المصرية، أنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار عند لحظة معينة، لكن حتى يكون هناك فارق عن أزمات سابقة يجب أن تكون هناك ترتيبات لحل دائم يجعل حياة السكان طبيعية، ومفتاح ذلك أن تكون الترتيبات بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية التي يعترف بها العالم حتى تكون هناك ضمانات, خاصة فيما يتعلق بالحركة على المعابر الحدودية الخاصة بالقطاع.