سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الفيل ساتو

ذهبت إلى المحمية الطبيعية خارج نيروبي ومعي آلة تصوير بدائية صغيرة لا تصلح لالتقاط الصور في حديقة منزل. اكتفيت بالصور التي تلتقطها العين بمنظار يتعدى الرؤية. شعرت أن المحمية عبارة عن مدرسة أمثال في الهواء الطلق. الأفيال الضخمة في سبيلها والحمار الوحشي الصغير في سبيله. القرود تتقافز على مقدمة السيارة، لا ندري إن كانت تضحك منا أو تضحك علينا. وأما السائق الدلال فيراقب كل شيء بعين حانية لكي يصحح أي خلل. إنه شريك في هذا المشروع الذي كلما ازداد نجاحا زاد هو ضمانا.
خارج مومباسا، المدينة الثانية في كينيا، كان يعيش فيل يدعى ساتو. هذه السنة بلغ ساتو عامه الأربعين وصار حديث الغابة. فقد بلغت أنيابه الأرض، تحفرها حيثما مر وبلغ وزنه سبعة أطنان. طارده المعجبون وتجار العاج. وفي فبراير (شباط) الماضي حاول قراصنة العاج قتله.
جلد ساتو سميك لا يخترقه الرصاص العادي، لذلك أطلقوا عليه سهما مسموما. نجا ساتو في المحاولة الأولى، أما في الثانية، مايو (أيار)، فقد تُركت جثته للقوارض وفر القراصنة بصفقة العاج.
يغتال القراصنة في أفريقيا نحو 25 ألف فيل في العام، أي بمعدل سبعين في اليوم، أي ثلاثة في الساعة. وتحاول الحكومات والجمعيات محاربة هذه الظاهرة الوحشية لكي لا ينقرض هذا الكائن الوديع الذي لا يؤذي أحدا ولا يعتدي على كائن آخر مهما كبر حجمه وزادت قوته.
يقُتل نحو 25 عربيا كل ساعة، في بلاد لا محمية بشرية فيها. والأكثرية الساحقة من ضحايا الغابة من فئة الأفيال. نبلاء أبرياء طائعون لا يؤذون أحدا ولا يعتدون على أحد ولا يخالفون قانون السير، إذا وجد. وبينما تبحث أفريقيا وجمعيات عالمية عن طرق لحماية الأفيال ووحيد القرن وأي مخلوق عاجي آخر من الانقراض، يلتفت الإنسان العربي حوله فلا يجد سوى شعار الرئيس السوري الفريق أمين الحافظ الذي طمأن الأمة بأن نساءنا «حبّالات ولاَّدات» فلماذا الهلع ولا ضرورة للمحميات البشرية. الحماية الضرورية الوحيدة هي للرؤساء. لذلك يبلغ تعداد الحرس الجمهوري أحيانا أكثر من 30 ألف رجل، بكامل الأعتدة وإغراءات الولاء.
ما من مرة كان أمن الأفراد، جنودا أو مدنيين، في حساب أحد. هناك نوعان من العرب: نوع يقتل في نوبة الحراسة، ونوع يقتل لأنه أعزل، منسي، مهمل، وليس سوى رقم يعيش أو يموت. وغالبا لا فرق بين الاثنين.