الخليجيون معنيون.. وانضمامهم للمفاوضات ضرورة لاستقرار الإقليم

تاريخيا الصراعات ما بين الصفويين والعثمانيين، التي شهدت ذروتها مدينة البصرة آنذاك، خلقت ساحة من الريبة والشكوك ما بين الطرفين تعمّقت عبر قرون طويلة وإن خفت حينا وظهرت حينا آخر. إلا أن ضفتي الخليج الآن تكادان تعكسان بجلاء القصة المتراكمة عبر التاريخ إزاء الصراع السني - الشيعي. ولقد مثل ذلك شرخا وتصدعا في نسيج المجتمعات الإسلامية، لا سيما، أن طموحات الدولة الصفوية في السيطرة والهيمنة كانت سببا في إثارة الخلاف العقائدي بين المسلمين.
على أي حال، المرء المتابع لما يجري في المنطقة لا يحتاج إلى قدرات خارقة أو بلورة سحرية لكي يعرف فعلا ما الذي تفعله إيران وما هو حجم مطامعها. فإيران، من ناحية، تريد صرف الأنظار عمّا يحدث في داخلها، ومن ناحية أخرى الرهان على كسب الوقت من أجل برنامجها النووي.
طبعا إيران تخشى من سقوط نظامها الذي لا يلقى شرعية محسومة لدى الغرب، وتجد في إيجاد سلاح رادع نووي حماية لها وصيانة لبقاء نظام الثورة الإسلامية. ويجب أن نعترف بأن طهران أصبحت تجيد مسألة شراء الوقت، وبامتياز، ولم تثبت أن برنامجها النووي هو فقط لأهداف سلمية، ناهيك عن ترسيخها لطرق كثيرة في المماطلة والتسويف خلال العقد الماضي. غير أن المتأمل لتطورات برنامج الملف النووي يشعر بأنه بات لغزا لا يمكن فهمه، فإيران تقول استخدامه لأهداف سلمية، إذن من حقنا أن نتساءل: لماذا تقوم إيران بتضليل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا تفتح لهم أبوابها للتأكد من أن البرنامج يتفق مع شروط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؟
لقد عبّرت دول مجلس التعاون الخليجي عن قلقها من البرنامج النووي الإيراني، وهي تستغرب تهميشها وإغفال دورها الإقليمي ولم تخف هواجسها وشكوكها من أن تتوصل إيران ومجموعة «5+1»، المكوّنة من الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا، لتسوية ما قد تأتي على حساب استقرارها وأمنها الإقليمي، علما بأن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي سبق أن أكد أن التسويات في هذا الملف ستكون مرفوضة. ولأن الملف النووي الإيراني شأن إقليمي... تشعر دول الخليج أن من حقها الانضمام للمفاوضات، والاطلاع على تفاصيلها، ورفض أي ترتيبات وتفاهمات ما بين الطرفين قد تمسّ مصالحها الاستراتيجية... كون هذا الملف بشقيه الفني والسياسي شأن إقليمي بحت.
لقد استغرقت المفاوضات مع إيران وقتا طويلا، وما زالت تدور في حلقة مفرغة.. بدليل أنه لم تحسم مسائل هامة كتخصيب اليورانيوم، وعدد أجهزة الطرد المركزي، ومفاعل آراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة، وموقع فوردو تحت الأرض والمراقبة الدولية. ولكن المعروف عن المفاوض الإيراني أنه لا يتعاطى مع مفاوضات ملفه النووي بمعزل عما يحدث في المنطقة من أحداث، وبالتالي لا يمكنه الذهاب لجنيف أو فيينا من دون استغلال نفوذه في تلك الملفات الملتهبة كأوراق فاعلة للمقايضة والمساومة.
وفي هذا السياق، إزاء علاقات طهران بالولايات المتحدة، تحديدا، فإنها شهدت تحوّلات دراماتيكية في الفترة الفائتة، وبات واضحا أن سياسة باراك أوباما الاستسلامية في المنطقة أضرّت بمفاعيل استقرارها. ومن ثم فسّرت طهران التردد والتقاعس والتباطؤ الأميركي بأنه ضعف ووهن... وأن أميركا غدت بحاجة لنفوذها ومساعدتها. كذلك فإن حضور الروس في الساحة بلغة قطبية جديدة دفع الإيرانيين ليضعوا بيضهم في سلة موسكو، فضلا عن موضوع تخصيب اليورانيوم ونسبته وموقف الاتحاد الأوروبي.
مع ذلك تبقى الكرة في الملعب الإيراني. إن دول الجوار ترغب في منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وتفعيل قرار مجلس الأمن «الرقم 687» عام 1991 بهذا الخصوص. ودول الخليج ليست بحاجة إلى قوة إقليمية غير عربية لتحقق التوازن الإقليمي مع إسرائيل، كما أن حصول إيران على السلاح النووي يعقد المشكلة ولا يحلها بل ويساهم في زيادة التسلح النووي في المنطقة، فضلا عن المخاطر البيئية فيما لو حدثت تسرّبات إشعاعية في المنطقة.
إشكالية إيران أنها تنطلق في تعاملها مع ملفات المنطقة من رؤية طائفية وليست من مفهوم الدولة، ولذا فهي بحاجة إلى نقد ذاتي موضوعي تنقذ به نفسها والمنطقة من المخاطر المحدقة بها من كل جانب. وهذا الهدف لم يعد خيارا بين خيارات بل ضرورة استراتيجية لا بد منها لضمان استقرار الخليج وأمنه. أما في حال إصرار طهران على الاستمرار في مشروعها النووي.. فإن الخليجيين لا ينتظرون تطمينات إيرانية بقدر حاجتهم لمشاهدة أفعال ومواقف جادة بدءا من التأكد من سلمية البرنامج. وبالتالي، على طهران إبداء حسن النوايا وبناء الثقة مع دول الجوار وذلك بإتاحة المجال وفتح الباب للخليجيين للانضمام لمفاوضاتها مع مجموعة «5+1»، وإطلاعهم على كل التفاصيل لأنهم معنيون بالأمر وشركاء في الجغرافيا، ومن دون فهم هذه الحقيقة بشكل صحيح وإدراك مضامينها، سيكون من المستحيل التنبؤ بمنطقة آمنة ومستقرة، وربما سنكون أمام خريطة سياسية جديدة.

* كاتب ومحلل سياسي عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي

تاريخ النشر - Publish Date
Issue Number
13012