إيران تريد المشروع النووي ورقة تفاوض على معاركها ومصالحها في المنطقة

عند الحديث عن مستقبل اتفاق بين إيران ودول مجموعة «5+1» فإننا نتحدث عن اتفاق فني أو عسكري يتعلق حصرا بالمشروع النووي ايراني، بل هو حديث عن السياسة الإيرانية التي تتضمن أطماعا ومشروعا توسعيا فارسيا يحتل المشروع النووي فيه الجزء الخاص بعملية إثارة لمخاوف إسرائيل والغرب. وأقول إثارة مخاوف وليس السعي لإزالة إسرائيل أو خوض معركة المصالح العربية في فلسطين.
إيران ليست معنية بمشروع نووي كامل بل معنية بامتلاك عوامل قوة تحقق لها إمكانية نجاح مشروعها التوسعي الفارسي، وهو المشروع يقوم على عدة أدوات.. منها المشروع النووي الذي لم يكتمل، وربما لن يكتمل، إضافة إلى أدوات أخرى هي المخالب الإيرانية في المنطقة مثل حزب الله اللبناني ونفوذه في الساحة اللبنانية المجاورة لإسرائيل.
إيران تدرك أن تحقيقها النفوذ في الإقليم يتطلب أن تشكل خطرا - ولو نظريا - على إسرائيل. وهذا يعني البتة رغبة في الحرب وتحرير الأرض العربية بل امتلاك عوامل الحضور التي تجبر القوى الكبرى على إعطاء إيران حصتها في ملفات المنطقة، فضلا عن حاجة إيران لأن تقدم نفسها عبا رئيسا في ملف الخليج وأمنه وحتى القضايا الداخلية لدوله.
اتفاق بالنسبة لإيران ليس غاية في حد ذاته، بل إن إغلاق هذا الملف من خلال اتفاق نهائي وحقيقي ليس في مصلحة إيران ومشروعها الفارسي التوسعي، ذلك أن هذا اتفاق والمشروع النووي مطلوب أن يكون جزءا من أدوات الضغط في ملفات أخرى. فالملف العراقي - مثلا - بما يحمل من مكانة خاصة لدى إيران لم يغلق بعد وقت... بل وقد يحتاج لسنوات وعقود قبل أن يستقر بصورته النهائية. ثم إن إيران، التي تحالفت مع الويات المتحدة ميدانيا قبيل الغزو الأميركي للعراق، وصلت إلى مراحل متقدمة من الهيمنة والنفوذ في العراق لكن الأمور هناك لم تستقر بعد لمصلحة طهران وأتباعها... بل عاد العراق إلى الفوضى السياسية والأمنية، كما استعاد العرب السنة بعض الحضور من خلال ما يجري في هذه المرحلة هناك، فضلا عن التعامل الواثق من قبل الأكراد ودولتهم.
ثم هناك الملف السوري الذي تعاملت معه طهران باعتباره معركتها المصيرية، وقدّمت للنظام السوري دعما لم يقدمه لنفسه. لقد أرسلت إيران خبراء وجاءت من العراق، فضلا عن ورقة «داعش» التي استعملت ولا تزال تستعمل في سوريا لقتال فصائل المعارضة. وفوق هذا وذاك الدعم اقتصادي الكبير من إيران للنظام السوري. كل هذا حفاظا على النفوذ الإيراني الذي كاد أن يتعرض لضربة قاصمة لو سقط الحليف الأهم وهو النظام السوري... لأن طهران تدرك أن التغيير في سوريا يعني تغييرا لخريطة لبنان أي نفوذ حزب الله... وقوة للمعسكر الإقليمي المناهض للمشروع الإيراني الفارسي.
إيران إذا تخوض حروبا سياسية وعسكرية على الجبهتين السورية والعراقية... حروبا تهدّد نفوذها، كما أنها خسرت بعض نفوذها على جبهة الحدود اللبنانية الإسرائيلية من خلال التزام حزب الله الكامل بقرار مجلس الأمن 1701. فضلا عن الضعف الذي أصاب علاقة طهران بحركة حماس نتيجة موقف حماس ضد النظام السوري بعدما كانت تعيش تحت ظله الأمني والسياسي.
إيران تدرك أن الجزء الأهم من أوراق مشروعها أن تبقى قريبة من الحدود مع إسرائيل.. قريبة جغرافيا من خلال حزب الله وحماس، وقريبة من حيث التأثير من خلال مشروعها النووي.
لذا أقول: «لا»، مستقبل لأي اتفاق بين الدول الكبرى وإيران حول المشروع النووي... ليس لصعوبة الوصول إليه، بل لأن طهران تريد المشروع «ورقة تفاوض» حول كل معاركها ومصالحها في سوريا والعراق ولبنان وأمن الخليج وكل قضايا المنطقة. وبالتالي، فهي تريد أن تجبر الدول الكبرى على القبول بأن تكون إيران دائما حاضرة في التفاهمات حول كل القضايا، وأن تكون شريكا قويا فيها. ولهذا تعتمد إيران على مباحثات تمتد سنوات وسنوات... وعلى مفاوضات تصل إلى طريق مسدود لكنها تصل أيضا إلى نهاية حقيقية.
ما دامت ملفات المنطقة مفتوحة، بل وتزداد اضطرابا، من صميم مصلحة إيران استمرار التفاوض حول الملف النووي لأنه المدخل للحديث عن القضايا الأخرى، لكنها لن تغلق ملفا يمثل «ورقة ضغط» كبرى تساعدها على تحقيق أهدافها ومصالحها وترسيخ نفوذها كـ«دولة فارسية تستثمر الطائفية».
وأخيرا وليس آخرا، إحدى العقبات أمام اتفاق النووي أنه يمثل مصدر قلق عربي، وبخاصة في منطقة الخليج، ولهذا فإن الثقل الكبير لدول الخليج سيكون حاضرا في جوت المفاوضات التي قد تنتهي. دول الخليج تدرك أن التوصل إلى اتفاق حقيقي سيعزز نفوذ إيران سواء على صعيد امتلاكها القوة النووية أو تخفيف أو إزالة الحصار الاقتصادي عليها. والأهم أن هذا الاتفاق – إذا عقد – سيتضمن تفاهمات بين الدول الكبرى وإيران على ملفات المنطقة الكبرى في سوريا والعراق ولبنان... وكلها ملفات محل اهتمام كبير من الدول الخليجية.
مرة أخرى، حكاية الملف النووي ليست حكاية مستقلة وهي جزء من خريطة التفاهمات بين القوى الكبرى ودول المنطقة، ولا يمكن عزل هذا الملف عن كل القضايا أو مناقشة مستقبله وإمكانية نجاح المفاوضات حوله دون القراءة الشاملة لخريطة المنطقة.

* وزير الإعلام الأردني السابق

تاريخ النشر - Publish Date
Issue Number
13012