فيان فاروق
TT

الانتخابات الكردية ووراثة الوزارات

مفهوم الانتخابات في الشرق الأوسط وما يجهله الكثيرون هو القراءة الصحيحة لهذه العملية المصيرية، فشعوب منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية تجهل أبسط حقوقها، ولهذا تهضم حقوقها بالتطاول وبمختلف الأساليب، فمن المفترض عندما يتحقق انتخاب حكومة جديدة، تشخص أخطاء الحكومة السابقة، وعلى ضوء ذلك تجري عملية إحالة الوزراء المخطئين أو المفسدين إلى المحاكم أو إلى البيت بسبب تقاعسهم وفشل وزارتهم، وهذا ما يحدث في الغرب، إذ إن الانتخابات تعني فرصة جديدة لمعالجة أخطاء الحكومة السابقة، والتوجه نحو الإنجاز والتقدم والتغيير وإيجاد الحلول لمشاكل كانت قد أثقلت كاهل البلد، بينما في الشرق الأوسط تصرف الملايين من الأموال على إجراء عملية الانتخابات، وعلى الرغم من ذلك فإن النتيجة هي أن معظم الرؤساء يريدون إقامة دائمة مدى الحياة، وتكرار الوجوه والوزراء، فضلا عن أن الأوضاع تسير من سيئ إلى الأسوأ.
ولكني أستغرب من حال إقليم كردستان الذي ذهب الناس للمشاركة في الانتخابات وبنسبة 73 في المائة، علما بأن غالبية من ذهبوا للتصويت فعلوا ذلك من أجل دعم رئيس الإقليم مسعود بارزاني الذي حقق النجاحات السياسية والاقتصادية.... للإقليم، وكذلك تأييدا لمجلس أمن إقليم كردستان الذي يترأسه مسرور بارزاني الذي أسهم بتأمين أمن قوي للإقليم وأهم ما يتباهى به الشعب الكردي، ولولا هذان الأمران لما كانت المشاركة بهذه النسبة العالية؛ إذ يحظى مجلس أمن الإقليم باحترام خاص من قبل الناس، حتى أصبح المكان الذي يذهب إليه الناس ليعبروا عن مشاكلهم ومعاناتهم، فكردستان تنتهج النظام الديمقراطي المتأثر بالنظام الغربي نهجا لبناء الدولة وأسلوبا في التقدم نحو الأفضل. ولكن يبقى الشرق شرقا حتى لو عاش في قلب أوروبا؛ إذ بعد إعلان نتائج الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة التي أعلنت أخيرا، يثبت عكس ما يدعون في كردستان، حيث يتردد أن العملية الانتخابية جرت على أساس الانتماءات العرقية، والحزبية الضيقة، وأن كل وزير اختير وفقا لانتمائه العشائري ولا يملك أي وزير اختصاص وزارته... ولذلك لم يتحقق من الوزارات السابقة أي تقدم يذكر، إلا سيلا من المشاكل وعمليات مشبوهة لا حصر لها؛ فعلى سبيل المثال، تعرض أربعون مريضا للعمى بعد حقنهم بدواء فاقد الصلاحية، وعندما نقلوا إلى ألمانيا، بكى الطبيب المعالج على حالهم وقال: «إن أسوأ جريمة في العالم حين تجرد الإنسان من نعمة البصر». كما ظل قطاع الصحة في تدنٍّ مستمر، ومع ذلك احتفظ الوزير بحقيبته الوزارية، وغالبية الوزراء بقوا في مناصبهم. وفي الغرب عندما يتعرض المواطن لحادثٍ بسبب الإهمال أو الفساد، يستقيل رئيس الحكومة أو على الأقل الوزير، فيكتب الكثير عنهم ويسلط الضوء على أخطائهم، ولكن رغم ذلك عندنا يجري العكس، تراهم يوما بعد يوم يعززون أماكنهم في الوزارات. ففي كردستان يتردد أن هناك أشخاصا ومسؤولين يختارون على أساس المحسوبية والمنسوبية، وهناك وزارات تمنح لأشخاص بعضهم ليس لديه الحد الأدنى من المؤهلات التي تمكنه من أداء عمله، كل حسناتهم أنهم من أحفاد أو أتباع أحد المسؤولين، فثمة الكثير من الوزراء بقوا في مناصبهم لمدة أكثر من عقد أو عقدين.. نحن رأينا في النظم الرئاسية من الممكن تجديد الولاية فيها، وهذا أمر شائع. ولكن لم نر ملكية الوزراء، إنه أسوأ ما يحدث في تاريخ الشعب الكردي، لماذا تجري التضحية بمقدرات شعب بأكمله، بينما لا يمكن معاقبة مسؤول؟ إذن ومن هذه المعادلة، لا غرابة في أن هذا الأحزاب قد أفرزت تدنيا لأصواتها الانتخابية.

ولكن حتى الآن يبدو أن الدروس لم تُستوعب، بل يوجد إصرار على إنتاج الأخطاء ذاتها!