إيلي ليك
TT

إيران و«القاعدة» أفضل نموذج للصداقة اللدودة

صورت منشورات إدارة أوباما طهران إيران كعدو للمتطرفين، لكن الأمر يتجاوز ذلك.
أثار خطاب الرئيس دونالد ترمب بشأن السياسة الأميركية تجاه إيران خلال الشهر الماضي بعض الجلبة بمناقشته لعلاقة النظام الإيراني بتنظيم القاعدة. وقال إن «عملاء إيران» قد وفروا التدريب لعناصر تابعة لتنظيم القاعدة شاركت في تفجير السفارة الأميركية في كينيا وفي تنزانيا عام 1998. كذلك قال إن إيران قد وفرت المأوى لعناصر قيادية في تنظيم القاعدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كان منهم أحد أبناء أسامة بن لادن.
وسرعان ما ظهر منتقدو ترمب على الساحة، حيث كتب فيليب غوردون، منسق سياسات الشرق الأوسط السابق في إدارة أوباما، أن الرئيس «بالغ في توسيع نطاق الأدلة» بحيث تصور إيران كشريك لتنظيم القاعدة. ورفض بول بيلار، محلل الاستخبارات البارز السابق، الذي وافق على الاستنتاجات الأميركية بامتلاك العراق برنامج أسلحة دمار شامل، مزاعم ترمب مشيراً إلى أنها تستند إلى وجود بعض عناصر القاعدة رهن الإقامة الجبرية في إيران.
مع ذلك تبين أن ترمب كان أقرب من منتقديه ومهاجميه إلى الحقيقة، حيث نشرت الاستخبارات المركزية الأميركية يوم الأربعاء مئات الآلاف من الوثائق، التي تم الحصول عليها خلال الهجوم الذي أسفر عن مقتل بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة، عام 2011. وقد أخبرني رايان تراباني، متحدث باسم الاستخبارات المركزية، يوم الخميس قائلا: «تشير الوثائق التي تم جمعها خلال عملية الهجوم على بن لادن، والتي تم الإفراج عنها، إلى وجود اتفاق بين إيران وتنظيم القاعدة يقضي بعدم استهداف بعضهما البعض. تشير الوثائق إلى وصف بن لادن لإيران بأنها (الشريان الرئيسي) لعمليات نقل الأموال، والأشخاص، والاتصالات الخاصة بتنظيم القاعدة». بعض هذه الأمور كان معروفاً من قبل، فقد فرضت الحكومة الأميركية عقوبات على أعضاء في تنظيم القاعدة في إيران أثناء فترة حكم أوباما. مع ذلك من المفهوم أيضاً سبب رفض المراقبين لفكرة وجود صلة بين إيران والقاعدة. ركّز ما تم نشره في السابق من ملفات بن لادن خلال فترة حكم إدارة أوباما على وجود خصومة وعداء بين إيران والقاعدة، في حين ظلت الوثائق التي تثبت التعاون بين الاثنين سرية.
على سبيل المثال، شهد عام 2012 المرة الأولى التي تكشف فيها دائرة الاستخبارات عن ملفات تم الحصول عليها خلال هجوم عام 2011 على محل إقامة بن لادن في مدينة أبوت آباد، بباكستان. أوضحت تلك الوثائق حدوث مفاوضات مكثفة بين القاعدة وإيران لإعادة أفراد من أسرة بن لادن، بعد خطف تنظيم القاعدة لدبلوماسي إيراني كرهينة.
على الجانب الآخر يخبرنا ما تم نشره مؤخراً بقصة أكثر تفصيلا، فقد حصل كل من توماس جوسلين، وبيل روجو، مؤسسي ومحرري موقع «لونغ وار جورنال» الإلكتروني الإخباري، على أحدث ملفات بن لادن في وقت سابق خلال الأسبوع الحالي، وذكرا أن المعلومات الحديثة توضح رغبة الخصمين في التعاون ضد أميركا. ويركزان على وثيقة مكونة من 19 صفحة تنسب إلى عنصر بارز في تنظيم القاعدة تروي تاريخ العلاقة بين الطرفين التي بدأت كعلاقة ودودة في نهاية التسعينات. كذلك ذكرا أن كاتب الوثيقة، الذي لم يتم ذكر اسمه، لكن يبدو أنه مصدر مقرب، يوضح أن «إيران قد عرضت على بعض عناصر تنظيم القاعدة كل ما يحتاجونه بما في ذلك المال، والسلاح، والتدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل استهداف المصالح الأميركية في المملكة العربية السعودية والخليج. كذلك يسرت أجهزة الاستخبارات الإيرانية سفر بعض عناصر القاعدة من خلال منحهم تأشيرات، وإيواء البعض الآخر».
مثل أكثر الصفقات، التي يتم إبرامها بين المجرمين، كانت العلاقة تشهد تراجعاً أحياناً، فعلى سبيل المثال أرسل عناصر في تنظيم القاعدة خطاباً إلى علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، يطلبون فيه الإفراج عن بعض من ذويهم. كذلك نظر الإيرانيون عام 2003 في أمر اتفاق محتمل مع الولايات المتحدة الأميركية يقضي بتسليم بعض من عناصر القاعدة مقابل إطلاق سراح بعض عناصر منظمة «مجاهدين خلق»، المناهضة لإيران، والتي كانت تحظى بدعم صدام حسين، الحاكم المستبد العراقي الذي لم يكن قد تم خلعه بعد. مع ذلك لم يخرج الاتفاق إلى النور.
وتشير تلك الوثيقة إلى تفاوض عنصر من تنظيم القاعد يدعى أبو حفص الموريتاني على ترتيب لتوفير ملجأ آمن لبعض عناصر تنظيم القاعدة في إيران بعد سقوط حركة طالبان عام 2011 في أفغانستان عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وهربت أكثر قيادات تنظيم القاعدة إلى باكستان، لكن توجهت زوجات وأبناء كل من بن لادن ونائبه، مع آخرين، إلى إيران.
كانت الصفقة تلزم في البداية ضيوف إيران من تنظيم القاعدة بالاختفاء، لكنهم لم يلتزموا بالجزء الخاص بهم من الصفقة، بحسب ما جاء في الوثيقة. ويقول كاتب تلك الوثيقة إن عناصر تنظيم القاعدة قد بدأوا في استخدام الهواتف الجوالة، رغم منعهم من استخدامها من جانب النظام الإيراني تجنباً لاكتشاف الولايات المتحدة الأميركية أمرهم، وذلك بحسب ترجمة غير دقيقة للوثيقة أطلعني عليها جوسلين. كذلك جاء في الوثيقة: «لقد بدأوا يشترون سيارات، ويتحركون كما يحلو لهم، ويلتقون بالناس، ويقيمون علاقات مع بعض السنة في المدينة وأماكن أخرى».
على الجانب الآخر أخبرني جوسلين خلال مؤخراً أن موقعه، التابع لمؤسسة «الدفاع عن الديمقراطيات»، سوف ينقب في آلاف الوثائق الجديدة ويترجمها. وقال إنه سوف يبحث عن المزيد من المعلومات بشأن العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة، فضلا عن المزيد من التفاصيل الخاصة بعلاقة القاعدة بباكستان، والدور الذي اضطلع به بن لادن في العمليات اليومية، وتاريخ تنظيمه الإرهابي.
ويمثل إفراج الاستخبارات المركزية عن الملفات حتى هذه اللحظة في حد ذاته نصراً بالنسبة لأي شخص شعر بالإحباط بسبب تباطؤ إدارة أوباما في الإفراج عن الوثائق؛ ومن هؤلاء مايكل فلين، مدير وكالة استخبارات الدفاع في إدارة أوباما، الذي أصبح أول مستشار أمن قومي لترمب. وقد ذكر وثائق بن لادن في كتابه، وأشار إلى وجود الكثير من الأدلة على تعاون القاعدة مع إيران ضد الولايات المتحدة الأميركية. كذلك طالب ديفين نونز، عضو مجلس النواب الجمهوري، ورئيس لجنة الاستخبارات في المجلس، الحكومة بالإفراج عن الوثائق، بل وتمادى إلى أبعد من ذلك حين طالب بالإفراج عن الوثائق في مشروعات القوانين التي تصرح بالإنفاق الخاص بأجهزة الاستخبارات.
وأخبرني مسؤولون حاليون وسابقون في إدارة ترمب أن الإفراج عن الوثائق كان يمثل أولوية بالنسبة إلى فريق الرئيس الجديد. كذلك حثّ إيزرا كوهين واتنيك، المدير السابق البارز للاستخبارات في مجلس الأمن القومي، الاستخبارات المركزية، ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية، على الإفراج عن وثائق بن لادن. وقوبل بمقاومة بالقول إن الترجمة، والتحقق من الوثائق، وتقديم تحليل رسمي سوف تؤدي إلى استنزاف موارد خاصة بأمور لها أولوية أكبر بحسب هؤلاء المسؤولين الحاليين والسابقين. في النهاية نشرت الاستخبارات المركزية الوثائق يوم الأربعاء دون ترجمة، أو تحليل في صيغة ملفات مضغوطة من الصعب تنزيلها.
مع ذلك سوف يتمكن محللون وخبراء من الخارج خلال الأيام والأسابيع المقبلة من اكتشاف مدى تعاون إيران مع تنظيم القاعدة بأنفسهم، وإن كان ما تم اكتشافه بالفعل يشير إلى وجود علاقة مركبة، أكثر من آيديولوجيات يهتم أي من الطرفين بالاعتراف بها.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»